عبدالله علي إبراهيم: هذا هو سر إشعال حميدتي للحرب

حوار: مجدي العجب
يُعتبر البروفيسور عبدالله علي إبراهيم أحد السياسيين الذين يدركون خفايا السياسة وأسرار التاريخ، فهو من الذين وثّقوا للحقب التاريخية السودانية السابقة بتجرد ومعرفة، وساعده في ذلك معايشته لكثير من النخب السودانية التي ملأت الساحة السياسية والفكرية، وشغلت العالم من حولنا. وحول الحرب في السودان، شرح البروفيسور الداء ووضع الدواء. التقيناه في هذا الحوار العاجل، فكانت هذه إفاداته:
× بروف، تاريخيًا، هل سبق أن تعرضت الخرطوم لخراب مماثل؟
+ وضع “الدعم السريع” يحتاج إلى دراسة مستقلة مقارنةً بما سبقه، وأخطر المقارنات هي مقارنته بالمهدية وفتح الخرطوم، وهنا تكمن الجهالة. ما جرى في الخرطوم على يد قوات الجنجويد يُعد “حرابة” وفقًا للشريعة الإسلامية، فهي حالة تقوم على الفزع والغنيمة.
× هناك حديث حول مَن أشعل الحرب، وبعض القوى السياسية لا تزال تتهم الإسلاميين، حتى أنك وصفت المعارضة بأنها مصابة بـ”لوثة الكيزان”. ماذا تقصد بذلك؟
+ الخصومة شيء، واللوثة شيء آخر. هذه العبارة استوحيتها من الشيوعيين، فإذا اشتد العداء عليهم من طرفٍ ما، يصفونه بـ”اللوثة”. لكن وضعنا الآن معقد، فهناك قوى خارجية وداخلية، غير أن “قحت” تصرّ على أن هناك عدوًا واحدًا، وتتّهم الجيش الذي يقاتل الآن بأنه مأمور من الإسلاميين. وهنا وقعوا في التزوير، إذ إنهم يأخذون قوة جوهرية مثل القوات المسلحة ويستبعدونها من المشهد، وهذه “لوثة”. مهما كان رأيك في الجيش كقوات مسلحة أو كلية حربية، فإنك لا تملك أن تستبدله بأي شيء آخر.
× لكن البعض لا يزال يتحدث عن دعم الإسلاميين للقوات المسلحة، ويعتبر ذلك دليلًا على أنهم أشعلوا الحرب؟
+ في الحقيقة، “قحت” هي التي أشعلت الحرب، ليس بأمرها لحميدتي، فليست لديها القدرة على ذلك، بل من خلال إدارتها للاتفاق الإطاري، الذي حملت أمره بمحامل عنيفة وسريعة، في وقت لا تحتمله جيوش متحاربة. هم يعرفون ذلك، ومع ذلك فرضوه عبر دبلوماسيين أجانب لا يدركون الواقع المعقد. إضافةً إلى ذلك، من قال إن “الدعم السريع” يريد الدمج؟ هذه فرية أخرى، فحميدتي لم يكن يرغب في الدمج لا قبل الثورة ولا بعدها، بل كان يتحدث دائمًا على أساس أنه جيش قائم بذاته. إذًا، “الدعم السريع” أشعل الحرب حتى لا يتم دمجه.
× خطاب “الدعم السريع” اتّسم بالاضطراب، فانتقل من محاربة الإسلاميين إلى محاربة “دولة 56”. كيف تفسر ذلك؟
+ هذه بندقية مأجورة، ولم تكن تملك شيئًا، لكنها الآن تتسوق كما يقال في العامية السودانية. حتى الجيش في انقلابه كان يتسوق، ففي الستينيات كان السوق لليسار، وفي الثمانينيات والتسعينيات اتجهت الموجة نحو اليمين. أما الميليشيا، فقد وجدت حديثًا عن المدنية والديمقراطية وحاولت أن تستثمر فيه، إضافةً إلى “لوثة” الإخوان، فوجدت سوقًا جاهزًا للاستثمار في العداء للإسلاميين. بالنسبة لقحت والجذريين والبعثيين، جميعهم لديهم “لوثة” اسمها “الكيزان”، حيث يكفي أن تصف شخصًا بأنه “كوز”، فيتم إقصاؤه فورًا. والدليل أنهم يقولون الآن: “لا يوجد جيش، بل هم الإخوان فقط”.
× بروف، ذكرت حزب البعث بمجموعاته المختلفة، وهناك تشابه بين ما حدث للجيش العراقي، حيث تم تفكيكه بذريعة انتمائه للبعث، وبين ما يحدث الآن من محاولات لتفكيك الجيش السوداني بدعوى وجود الكيزان. ألا يتعظ البعثيون من التجربة العراقية؟
+ هذه مشكلة كبيرة، فالأمريكيون يعضّون أصابع الندم على تفكيك الجيش العراقي. أنت تستطيع إصلاح الجيش، لكن لا يمكنك تفكيكه، لأنك إن فعلت، ستحل محله الميليشيات. لا أعلم إن كان رفاقنا في حزب البعث قد درسوا هذا الأمر أم لا، لكنني أتذكر قصة لمناضل من جنوب إفريقيا، كان يخاطب الثوار قائلاً: “والله، لولا أن هذا الجيش مهني، لما أبقى على أحدٍ منكم”. نعم، قد يقمعكم أو يضرب بعضكم، لكن مهنيته تمنعه من القضاء عليكم بالكامل.