(حديث من ربى عياله)

مع اسحق
إسحق أحمد فضل الله

 

× أستاذنا شقيقنا عمر يقول لنا قبل فترة:
“اكتب مذكراتك”.
× يلمع في ذهننا المشهد الأخير من فيلم “أيوب”، وأيوب (عمر الشريف) هو رجل خبط المجتمعات علوا وسفلا… وعرف… وعرف…
× والرجل يعلن يومًا أنه شرع في كتابة مذكراته…
× أسبوع… والرجل يطل من عربته ليحدق في نافذة في الطابق الرابع.
ومن النافذة تطل عليه بندقية…

× والمذكرات نستعيض عنها بالحديث عن النفس.
× وحسن مكي يقول لحسين خوجلي:
“الحديث عن النفس لذيذ… مش كده يا حسين؟”
× والحديث عن الناس أمتع لأنه قطيعة.
× ونحن نعرف… ونعرف لأن الناس مطمئنون إلى أن أسحق لا يفضح أحدًا…
× ونحن عشنا أيام بلوضى مارى،
× وأهل الكأس يقولون:
إن الكأس الأولى تجعلك جحشًا ظريفًا،
× والثانية تجعلك أسدًا هصورًا،
× والثالثة تجعلك حمارًا دبزًا…
× وبلوضى مارى مشروب يتميز بأن الكأس الأولى منه تجمع لك المراحل الثلاثة هذه.
ونحن عشنا زمانًا كانت تجمع بين عشرين بلوضى مارى.
× وعشنا أيامًا كان كل شيء يتدافع في هياج…
× والحديث عن كل جهة وشخصياتها حديث يجعل البندقية تطل من الطابق الرابع.
× (وتاريخ السودان كله ليس إلا كذبة كبيرة).


× ونحن عشنا أيامًا (فيها كل شيء، وليس فيها شيء).
× والجملة هذه تفتتح بها رواية “مدينتين”.
× والهياج هذا كان يجعلنا نقضي عمرنا كله ونحن نجري ونجرى حتى نكون من خراف بورج.
× وفي الحكاية أن صاحب قطيع من النعاج على ظهر سفينة يرفض بيع واحد منها لأحد الضباط إلا بسعر فاحش.
× والضابط يكتم غيظه، وللانتقام يشترى الخروف بالسعر الفاحش… ثم يجعل الخروف يقفز من على ظهر السفينة إلى البحر… وفى الحال، وكعادتها، نعاج القطيع تندفع كلها خلفه.
× ونحن نجد أن حكاية “قحت” كلها ليست أكثر من تطبيق لمشهد نعاج بورج.
× والعمر نقضيه ونحن نهرب حتى لا نصبح من نعاج بورج…
× وما نراه في السودان أيام “قحت” يجعلنا نعرف أن الجماهير وقياداتها إلى الهاوية، هي ما يقود التاريخ كله…

× ونعتزل ونلجأ إلى زحام الكتب،
× لكن الكتابة تلح علينا،
ثم ننتهي إلى شيء.
شيء يجمع بين القول وبين السكوت…
× وحين تصلنا دعوة صحيفة “الوان”… ونحن نغادر “الانتباهة”… نصبح نسخة ممن قال:
“لدغتني حية… وقيل لي إنه إذا لم أصل إلى المستشفى في ربع ساعة فإنني أموت،
× ولما كان المستشفى يبعد نصف ساعة، جعلت حية أخرى تلدغني.”
× ونبدأ الحديث…