مليشيا الدعم السريع تحول بحري إلى مدينة أشباح

(ألوان) تقف على تفاصيل ماتعرضت له المدينة من دمار وخراب
بحري .. سر (الهوى)
والي الخرطوم: بحري ستتعافى وسنعيد سيرتها الأولى
++++++
الخرطوم: الهضيبي يس
بات الطريق ممهدا ومتاحا الآن عقب سيطرة الجيش السوداني على مدينة الخرطوم بحري برغم مما فعلت بها “الحرب” – فالمتجول داخل شوارع وأزقة المدينة يجد أنها تحولت إلى أكوام من القش والكتل الأسمنتية، فأبواب وشبابيك المنازل المشرعة هي من تستقبلك.
× مدينة أشباح:
حيث حوّلت الحرب الخرطوم بحري إلى مدينة أشباح، شقّ الجيش قبل اسبوع طريقاً بين أحيائها، من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، لكن هذا الطريق يكفي لإدراك مدى الوحشة والخراب اللذين يخيّمان عليها الآن.
ومايزال الجيش السوداني يتعامل مع جيوب لقوات الدعم السريع في أحياء بحري القديمة غرباً، وأخرى في حي كافوري المُتاخم لشرق النيل، حيث تتمركز تجمعات صلبة للدعم السريع، حسب ماذكرت لنا قيادة المنطقة العسكرية بمدينة بحري.
مابين شرق المدينة وغربها، وبمحاذاة شارع الإنقاذ، شقّ الجيش طريقه منذ ديسمبر الماضي، مُزيحاً ارتكازات الدعم السريع من جسر الحلفايا شمالي بحري، إلى أن تمكّن في 25 يناير من الوصول إلى سلاح الإشارة، أقصى جنوب المدينة، ومنه عبر جسر النيل الأزرق “جسر الحديد” إلى مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، ثم أعلن الجيش “طرد” قوات الدعم السريع وإكمال سيطرته على مصفاة الخرطوم للنفط، نحو 60 كيلومتراً شمالي مدينة الخرطوم بحري، ليصبح الطريق من أقصى شمال المدينة سالكاً حتى جنوبها عند جسر الحديد.
× عملية العبور:
وبحلول 26 من شهر ديسمبر الماضي، نفّذ الجيش عملية عبور من شمال أم درمان إلى الخرطوم بحري عبر جسر الحلفايا، لينتشر في أحياء الحلفايا والكُدرو والإزيرقاب، ثم توسّع أواخر العام الفائت في الدروشاب والسامراب، ففي هذه المناطق، بدأت الحياة تدبّ على استحياء، رغم انقطاع خدمتي الكهرباء والمياه عن معظمها، فقد بدأ الجيش في ديسمبر التوغل جنوباً من الحلفايا إلى شمبات، ثم وصل في يناير إلى الصافية، ومنها انخرط مُتقدّماً حتى وصل إلى جسر النيل الأزرق المعروف شعبياً باسم “كبري الحديد”، وهو أحد أقدم الجسور في السودان، حيث افتُتِح عام 1909، حينها تجنب الجيش التقدم عبر الطرق الرئيسية التي تشق الخرطوم بحري من الشمال إلى الجنوب، والتي تشمل شارع المرور المتصل مع شارع السيد علي الميرغني غرباً، وشارع المعونة وسط المدينة، ثم طريقي الإنقاذ والصناعات شرقي المدينة.
بعد نحو كيلومتر واحد من تقاطع شارع جسر الحلفايا، تنعطف السيارات شرقاً، وقبل الوصول إلى شارع الإنقاذ، تتجه جنوباً عبر طريق ترابي وعر، يبدو أنه كان مطروقاً خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، تتقدّم عبره مُتحرّكات الجيش صوب سلاح الإشارة.
هذا الطريق يمكّنك من عبور أحياء الحلفايا وشمبات والصافية والمغتربين والمزاد والختمية عن قرب. هذه الأحياء، التي تتراوح بين الراقية والشعبية، كانت جميعها خالية من السكان، وينتشر فيها الجنود بشكل لافت، فعلى الطرق الداخلية للأحياء، تبعثرت الأمتعة والأثاثات والسيارات المدنية، التي كانت إما مُدمّرة أو منزوعة الأجزاء، بينما نمت النباتات المتسلّقة على الجدران بكثافة، وتساقطت أعمدة الكهرباء والكوابل جرّاء القصف في بعض المناطق التي يبدو أنها كانت ارتكازات للدعم السريع، خاصة في شمبات جنوباً، فكل شي هنا ملقي على الأرض من مقتنيات المواطنين وبقايا وسائل النقل ناهيك عن المرافق والمؤسسات الخدمية التي تعرضت للنهب والسلب.
بينما طالت الحرائق سوق الخرطوم بحري الرئيسي وسوق سعد قشرة، أحد أهم أسواق الملبوسات والأقمشة على مستوى المدينة، وذلك منذ الشهر الأول للحرب، وامتدت عمليات النهب والتخريب التي لمئات المحال التجارية على طول شارع المعونة ببحري.
× تحديات وإرادة:
بالمقابل تفاقمت تحديات إعادة خدمات المياه والكهرباء كأهم تحدٍّ يواجه سلطات ولاية الخرطوم، وينتظره سكان الخرطوم بحري الذين فرّوا هاربين من الحرب، إما نازحين في الولايات الآمنة أو لاجئين خارج البلاد، سيما بعد تعرض محطة مياه الخرطوم بحري لتلف أوقفها عن العمل منذ اليوم الأول للحرب، بينما اتلفت شبكات ومحطات الكهرباء لتدمير واسع في كل أجزاء المدينة. ويؤكد والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، في حديث لصحيفة (ألوان) بخصوص ما تعرضت له مدينة الخرطوم بحري، إن “استعادة معالم الحياة بعد الحرب عملية شاقة ومكلفة، منددا بما قامت به قوات الدعم السريع من تخريب وإتلاف للمرافق الخدمية على مستوى المدارس، المستشفيات، محطات المياه، والكهرباء، متعهدا في الوقت نفسه بإكمال ضروريات عودة الناس لما أسماه “المناطق المحررة والمستردة مؤخراً بقوله “بحري سوف تتعافي قريبا”.
مقرا بأن مدينة دمّرتها الحرب وأفرغها النزوح من كل ملامح الحياة، ستكون امتحاناً لإرادة سكان الخرطوم بحري، حيث سيكون البعض متردداً على الأقل إلى حين، فالهروب كان سريعاً، لكن عودة الجميع غالباً ستكون بطيئة.