حسين خوجلي يكتب: فنتازيا

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

فنتازيا

وزارة الداخلية منذ سنوات طويلة في يومٍ ما وشهرٍ ما وعامٍ ما ووزيرٍ ما كانت ساحتها الداخلية والشوارع المؤدية إلى مداخلها مترعة حتى الثمالة بالصفوف والمواطنين نساءاً ورجالاً شيباً وشباباً، كان الطقس حاراً وجافاً وقائظاً وكانت الوشيجة الوحيدة التي تجمع بين تلك السحنات العرق والضيق والشمس التي ليس بينها وبين رؤوسهم حجاب، ساحة وردهات بلا ماء ولا كهرباء ولا دورات مياه. ورغم أن سيادة الوزير قد أصدر قراراً بإيقاف التعامل في استخراج الجنسية والجواز إلا بمعايير جديدة ملزمة ومحددة وقاسية إلا أن الجماهير لم تأبه للقرار والتوجيهات وظل الآلاف ينتظرون الخدمة بلا مبرر وجيه للانتظار. اقتحم أحد المواطنين الغاضبين مكتب الوزير حيث أفلت بعنف من الرقابة الأمنية والعسكرية التي كانت تطوق مكتبه ومثل أمام السكرتارية والمدير التنفيذي للمكتب صارخاً ومزمجراً بأعلى صوته: اخبروه بأنني من أقاربه وبلدياته ودفعته بالمدارس الإبتدائية، وأضاف بحدة أنا أول الفصل الذي قادته الظروف التعيسة للأسرة أن يخرج إلى الشارع لكسب قوته وهو في طفولته البريئة الأولى. اصطدم صوته الحاد بجدران المكتب واقتحم أذان الوزير فترك كومة الأوراق التي أمامه ونهض منزعجاً وفتح باب مكتبه فوجد زميله الأشعث الأغبر في حالة هياج وغضب فرحب به وأدخله إلى مكتبه وأغلق الباب، قدم مشروب بارد من ثلاجة صغيرة كانت بجوار كرسيه الوثير وبدأ في سؤاله بهدوء أو بالأحرى ببرود عن القرية والأهل وحاله الخاص والعام، فأجابه زميله القديم إن الحال تغني عن السؤال يا سيادة الوزير فإبتسم الزميل القديم وسأله ما حاجته وما سبب غضبته المضرية؟! قال له إنني قد أتيت منذ أيام من الأصقاع التي تعرفها لإستخراج جنسية وجواز انتظاراً لفرصة سفر مستحيلة لإحدى بلدان الخليج بعد أن يئست من الزراعة ونظرات الزوجة القاسية والأبناء وهم يقارنون حالتي بحالة العائدين من بلاد النفط والصحراء وقد فوجئت بأنك أصدرت قرارات صارمة لإيقاف الإجراءات لإعمال قرارات وضوابط جديدة وأنت تعلم بأنني بلا مقر ولا وقت لي للإنتظار ولا مال يغطي تكاليف الإقامة بهذه المدينة الجاحدة. قال له الوزير بصرامة محسوبة تعود على اطلاقها رغم تقديري لظروفك التي أدليت بها وهي معقولة ومقنعة ولكن للأسف فإن هذه القرارات ملزمة ونهائية ولا سبيل لتغييرها حتى اصدار مرسوم جديد بالإجراءات المرتقبة. صمت الرجل الأغبش هنيهة ثم اندفع بصراحة القرويين المعهودة: كيف لك أن تقول ذلك يا سيادة الوزير وأنا يمكنني في الغد أو بعده أن استلم جنسيتي وجوازي إذا دفعت مائة ألف جنيه (وكانت يومها مبلغاً معتبراً يكفي لبداية نشاط تجاري متوسط الحال) للموظفين العاملين بوزارتك لتقديم الخدمة للمواطنين. فقال الوزير بعد أن رسم نصف ابتسامة ساخرة على شفتيه: إذا لماذا لم تدفع لهم لتستلم الجنسية والجواز؟ رد الرجل بهدوء: لأنني ببساطة لا أملك هذا المبلغ. وكانت دهشة الرجل بالغة حين فتح الوزير درجه وأخرج مائة ألف جنيه من الأوراق الجديدة ودفع بها إلى زميله القديم قائلاً: الآن يمكنك أن تكمل الإجراءات وأن تدعو لنا بعد كل صلاة وأن لا تنسانا من الهدايا حين تهاجر. ووقف بعدها متثاقلاً إيذاناً بإنتهاء المقابلة ورافقه حتي باب المكتب وودعه وداعاً حاراً وأغلق الباب في هدوء.