د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: لماذا نكتب؟!

أوراق وأفكار

ياسر يوسف إبراهيم

لماذا نكتب؟!

لم أكن قد قرأت من قبل للكاتب البيروفي الكبير الفائز بجائزة نوبل في الأدب ماريو فارغاس يوسا حتي أهداني ذات مساء خرطومي ماضٍ الصديق محمد محمد خير رواية (حفلة التيس) للكاتب الكبير، والرواية ملحمة سياسية ينبغي لكل من يعمل في حقل السياسة أن يقرأها، خاصة وأنها تحكي قصة إسقاط نظام ومحاولة إقامة آخر، في الرواية الواقعية يصف يوسا قصة إغتيال ديكتاتور الدومينيكان (المنعم أبو الأمة تروخييو العظيم) الذي تلونت فترة حكمه الطويلة بالدم والإرهاب، ويرسل في ثناياها حكما تصلح للإعتبار (وللإحتياط كذلك) ..
في إجابة لسؤال لماذا لا يزال يوسا يكتب وهو على أعتاب العقد التاسع من العمر أجاب قائلا (الكاتب يحمل مسؤولية مواطن ومن واجبه المشاركة) ..
وأي مسؤولية تلك التي نحملها كمواطنين في حالنا التي لا تخفي، بالتأكيد هي مسؤولية الحفاظ على الوجود والوطن والتاريخ والمجتمع، ولا ينبغي أن يتأخر عن حملها كل قادر للمساهمة ولو بشق تمرة، فالدين الحنيف يشجعنا ألا نحقرن من المعروف شيئا..
قد يتسلل إلى النفس الأمارة بالسوء بعض يأس وتتساءل هل هناك فائدة فيما نكتب؟ وهل هناك ما لم يكتب ويقال؟ وعند التمعن في سير التاريخ وسننه، وحادثات الليالي وأخبارها تأتيك الإجابة أن أقوى الأسلحة في معارك الوطن وصراعه مع الباطل هو الكلمة التي تنير الطريق وتهزم الشر ودعاواه الخسيسة، وقبل ذلك تنحاز للحقيقة المطلقة في وجه (المدلسين وبائعي ضمائرهم للشيطان) ..
هل ثمة ما لم يكتب بعد؟
ألم يقل الفيتوري (لم يتركوا لك ما تقول)؟
ومع ذلك ظل ممسكا بأقلامه وأوراقه ملتزما بالكتابة حتى فاضت روحه إلى العلا، في نفس القصيدة يقول (لم يتركوا لك ما تريد)، نعم لم يترك لنا الغزاة والفجار ولا الأوغاد الذين إبتسموا في وجوهنا بينما كانوا يغرزون مديّهم الصدئة في ظهورنا ما نريد، ولكن أليس ذلك حافزا مضاعفا للكتابة والتفاني في إنتاج الأفكار؟ فبالأفكار تعمر الأرواح، وتزدهر الحياة وبها ترتقي الأنفس الأمارة بالسوء وتغتسل من أدران الأدواء الخبيئة ..
نكتب لأن هناك معركة مفروضة علينا كسودانيين، حاولنا تجنبها حكمة وعلما بمآسي الحروب، ولكنهم أصروا على (الرصاصة الأولى) فكانت الحرب، فنحن كسودانيين ينطبق علينا قول الشاعر:
ولا أتمنى الشر والشر تاركي
ولكن متى أحمل على الشر أركب
هل يعتقد بعض الناس أن المعركة (على ضراوتها) هي ضد الجنجويد ومن يعاونهم فقط؟ ذاك رأس الجليد، أما قاعه فحرب أكبر وإستهداف أشمل، هي حرب على قيم السودانيين وإجتماعهم الإنساني، وحرب لتخريب محاولتهم الجادة للإنصهار القومي وبناء دولة (الوحدة في تنوع) وحرب علي تماسكهم الأسري، وعلى ما توارثوه من سمح الصفات وكريم الخصال، حرب بشعاراتها نفسها تجدد ذاتها (السودان الجديد، دولة 56، وإن شئت أدخل في القوس دولة البحر والنهر)، نكتب لننشر الوعي ضد مشروعات التمزيق للأمة السودانية، ولنستوي في الصفوف مع القيم الأصيلة والمحافظة للمجتمع السوداني، ولنساهم مع آخرين في إستكمال بناء أمة موحدة آمنة متطورة متحضرة ..
لماذا نكتب في ألوان؟
عودة ألوان وإزدهار صحف أخرى عودة للحياة وتحد لمشروع التدمير والجهل، وإعلان باذخ بأن أهل السودان أقوى من أن تقتلعهم عاصفة هوجاء أو يقتلهم هجوم مغولي متوحش، فإرادة الحياة والخير فيهم أقوي من كل المؤامرات، أما ألوان فإنها واحدة من مداميك البناء المتين لتلك الإرادة الخيرة، حيث ظلت دعوة للحق والخير والجمال تثري الوجدان وترسخ للبناء القومي بعيدا عن أي عصبية مقيتة أو جاهلية بغيضة، فلا غرو أن نكون شهودا في محرابها العامر بالذكر والصلوات، وفي مسرحها الغني بالدوبيت وألوان موسيقي جهات السودان المختلفة، وأن نحظي عبرها بالإنضمام لحزب (السودانيين) لصاحبه حسين خوجلي.