خضر مسعود يكتب: التحريض الجميل

حروف مبعثرة

خضر مسعود

التحريض الجميل

رحى الحرب الدائرة في بلادنا السودان الحبيب أفقدتنا شغف الكتابة وأصبحنا نطارد أخبارها في كل وقت وحين لنطمئن على حياة أناس تركناهم خلفنا في كل ربوع البلد، نتابع بشغف تقدم الجيش فهو الحامي شاء من شاء وأبى من أبى، وبعد كل تلك الأشهر من الحرب نعود لصاحبة الجلالة التي تسكننا، في محطة جديدة تجمعنا مع الأستاذ الأديب حسين خوجلي في صحيفة “ألوان” الغراء.
بدأنا المشوار بصحبة زملاء أعزاء في هذه المؤسسة العريقة، نسأل الله التوفيق. ما يميز الأستاذ حسين خوجلي عن غيره أنه يحرضك على الكتابة بأسلوبه الجميل، جلست إليه لمناقشة بعض القضايا التحريرية، لكنه فاجأني بسؤاله: “أنت مابتكتب لي يا خضر؟” قبل أن أجيبه أردف: “تعودتم معشر الصحفيين على عمل المطابخ التحريرية وهذه آفة الصحفيين، لازم يكون للصحفي زاوية خاصة للكتابة.” نزولًا عند رغبته، ها أنا أعود إلى الكتابة. شكرًا أستاذي حسين خوجلي.

× ما أجملهم أولئك الفقراء:

الزميل الصديق صلاح عبد الحفيظ، الرجل الموسوعة، كتب عن بعض الزملاء الصحفيين المثقفين من أهل الرواية والقصة، وعن مسامراتهم وجلساتهم. ولحسن حظي، حظيت بصحبة صلاح وأولئك المبدعين منذ سنوات خلت، زاملتهم في محطات صحفية مختلفة، تناقشنا كثيرًا وتدارسنا أكثر في الأدب والثقافة وكتابة الرواية والقصة، وجمعتنا المنتديات والندوات الثقافية.
وصلاح يورد مقولة طارق المادح “ما أجملهم أولئك الفقراء”، وقد ترسخ عند الكثيرين أن الأدب يورث الفقر، وهذا خطأ. ولماركيز قصص وحكايات عن فقره وكيف أن الأدب انتشله. وهذه واحدة من المحرضات للكتابة. هؤلاء المبدعون أغنياء بعلمهم وفهمهم وثقافتهم وأدبهم، لكن جل الساسة يجهلون قيمة الثقافة في تغيير حياة الناس. ولي زعم أن السياسة إذا دخلت على الثقافة أفسدتها، والعكس إذا دخلت الأخيرة على السياسة أصلحتها.
أذكر هنا دعابة للشاعر الكبير كامل عبد الماجد، قبل سنوات كان رئيسًا للجنة التحكيم في مهرجان العمال الثقافي بولايات شرق السودان، وكانت الليلة الختامية بالقضارف بحضور الوالي حينها الضو الماحي. وقبل إعلان النتيجة، طلب الحضور من الشاعر كامل عبد الماجد إلقاء قصيدة، فسألهم: “وطنية ولا غزل؟” فصاح الجميع: “غزل يا أستاذ!” فالتفت ناحية الوالي مخاطبًا الناس: “دايرة حب يا السيد الوالي، ما سياسة!”

× نبوءة محمد خير:

الأستاذ الروائي محمد خير عبد الله النحرير، صدرت له أكثر من روايتين أشهرهما “سيرة قذرة” و”شجن الروح، شغف الجسد”، وأخرى يستقبح ذكر اسمها. كاتب مبدع وذو رؤية ثاقبة، له آراء في كل شيء وعن كل شيء، رغم ذلك فهو ودود، خفيف الظل، طيب المعشر.
إحدى نبوءات محمد خير أن ينتقل عبد الجليل سليمان، ومحمود الدنعو، وعثمان شبونة، وشخصي، من ضيق الصحافة إلى رحابة الرواية والقصة. تحققت النبوءة في عبد الجليل الذي كتب واحدة من أجمل الروايات في الأعوام الأخيرة بعنوان “أوراق خاسرة”، والتي تعرض هذه الأيام بطبعتها الثانية في معرض القاهرة للكتاب، ومحمود الدنعو الذي كتب روايتين هما “سابنا حكايات من بلاد الهمالايا” و”ضحى كاتمندو”، وكلا الروايتين تعرضان في معرض القاهرة للكتاب.
أما صديقي وأستاذي عثمان شبونة، فلا يزال يناطح أصواته شاهقة في ظل الحرب ما بين نزوح وتهجير قسري، يكابد الحياة أم تكابده، نسأل الله أن يحفظه وأسرته. أما أنا، فأحمل فوق رأسي قصصًا وروايات تأكل الأيام مسوداتها وحكاياتها. لا أعلم متى تُكتب، وهل نجد براحًا للكتابة؟

× آخر حروف:

كتبت ليك لا بيني بينك ريدة لا قصة غرام
لا قصدي ألهو معاك بي كلمات غناي لا شعري ليك مرجيحة من شعر الغمام