القصة الكاملة لنجاة كرري وشندي من قبضة الجنجويد

أمدرمان: الحاج الشكري

كل من يقرأ هذه القصة ولم يتحرك شعوره بالفرح والإعجاب تجاه ضباط وضباط صف وجنود الفرقة التاسعة المحمولة جوا وقائدها الفارس المغوار سعادة العميد عمار الصديق جاد الله. من لم يعجب بهؤلاء الأبطال فلا أعتقد أن لديه علاقة بالسودان دعك من أن يكون له وطنية فهو إما عميل أو أجنبي. مازلت أتذكر الفرحة التي عمت كل جسدي من أقصاه إلى أقصاه عندما علمت أن الفرقة التاسعة المحمولة جوا أحكمت سيطرتها على معسكر سركاب وأنها أعطت المليشيا درسا قاسيا في القتال ودفنت آلاف الجثث من المليشيا داخل المعسكر ومن كثرتهم تم دفنهم باللودر. وعلمت أن هذا الانتصار الكبير كان سببا أساسيا في أن تنجو محلية كرري والقاعدة الجوية وشندي وعطبرة من قبضة الجنجويد ومن ذلك الحين ظل في بالي أن أبحث عن تفاصيل أكثر عن هذه المعركة وعن قائدها الفارس عمار الصديق جاد الله والتي يحق لأمه أن تفخر به، وحق لبنات عمه في الشكابة شاع الدين بجنوب الجزيرة أن بفخرن به بل كل بنات البادية والخرطوم.

× أجواء متوترة:

في صباح 15 أبريل كان الجو مشحونا بالتوتر، وسبق ذلك أن قامت الفرفة التاسعة المحمولة جوا بحفر دفاع حولي في الإتجاه الغربي لقيادة الفرقة قبل قيام الحرب وتم تجهيز كتيبتين مظلية، الكتيبة 230 باللواء 33 مظلي بقيادة المقدم الركن عبد اللطيف قسم الله والكتيبة 237 صاعقة بقيادة المقدم ركن معاوية رحمة الله باللواء 35 صاعقة. وكان من المفترض الدفع بهم كغيار للقوات المسلحة بالفشقة ولكن تم تأخيرهم وكانت لهم أدوار كبيرة في هذه المعركة، وقدموا فيها الشهداء والمصابين. كل ذلك يؤكد أن الفرقة التاسعة كانت تتعامل بمسؤولية كاملة تجاه ما يجري حولها من استعداد الطرف الآخر. وكانت ترتب وتضع خطط المواجهة مسبقا. وفي صباح 15 أبريل تم تفريغ جبل سركاب من قوات الدعم السريع وهم كانوا جاهزين للقتال كشأن كل مواقعهم في ذلك اليوم بمئات العربات اللاندكروزر وهي بكامل تسليحها من ثنائي ورباعي ودوشكا، توجهوا صوب صينية الحلفايا وهناك عربات منها دخلت اشلاق سليمان بشارة وبعد أقل من ربع ساعة عادت هذه العربات والأفراد المشاه تجاه معسكر سركاب ومع أكبر الاعتقاد أن هذه العربات خرجت بغرض الفزع، الأسلوب الذي عرفت به مليشيا الدعم السريع ولم تدخل هذه العربات إلى داخل المعسكر بل تعاملت مع دفاعات القوات المسلحة في الواجهة الغربية وبالتحديد دفاعات معهد تدريب الفرقة التاسعة المحمولة جوا وبفضل الله كانت القوات المسلحة في هذا المكان جاهزة للقتال فدارت معركة عنيفة جدا استبسل فيها أبطال القوات المسلحة وقدموا فيها شهداء وجرحى، ولكنهم تمكنوا من امتصاص التفوق الذي كانت تتميز به القوات المتمردة، حيث كانت قوات العدو تتحرك بالعربات اللاندكروزر خفيفة الحركة وذات الدفع الرباعي بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة التي كانت بحوزتها. أما القوات المسلحة فكانت تقاتل بدون أي عربة بل هم مشاة وعلى الأرجل وكان كل تسليحهم قرنوفات ودوشكا وآربجيهات وكلاشنكوفات. ولعبت الخبرة دورا كبيرا حيث كان الهجوم الساعة 0300 ص بعد وصول قوات التعزيز إلى الفرقة التاسعة بقيادة العميد الركن عثمان كباشي الذي يتبع للمهام الخاصة وتم التخطيط لتنفيذ الهجوم بمحورين المحور الاول بالمواجهة الأمامية وذلك بعد توضيح أماكن قطع السلاح للعدو للقوة المنفذة للهجوم ومحور آخر بالمواجهة الشمالية للمعسكر لاستلام قمة سركاب والقيام بعملية الإلتفاف على العدو خاصة وأن القوة المنفذة استغلت ذلك بوجود مانع طبيعي للوصول إلى معهد التدريب وطبيعة الأرض المكسرة أمام معهد الفرقة. وكما قلت لكم، هنا لعبت الخبرة التي يتمتع بها القائد الفذ والفارس المغوار العميد عمار الصديق جاد الله ورفاقه من الضباط دورا محوريا في امتصاص قوة الهجوم وثبتوا العدو ومنعوه من الدخول. وهنا تجلت عبقرية القائد حيث تحرك عمار الصديق إلى قيادة الفرقة بعربة بفلو غير قتالية وسحب دفاعات الإتجاه الشرقي إلى مكان المعركة الشيئ الذي كان له الأثر الكبير في المقاومة وبث الروح المعنوية العالية للقتال. وهنا لابد أن نذكر للتاريخ أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني كان يدفع بالقوات المقاتلة من جميع المحاور والإتجاهات القتالية وبإشراف مباشر من إبن السودان الوطني الغيور سعادة الفريق عباس اللبيب نائب مدير جهاز والأمن والمخابرات الوطني، حيث دفع هذا الرجل بخمسمائة مقاتل من مدني وسلمهم للواء عمار الصديق غير أنهم للتاريخ وصلوا بعد حسم المعركة والتي شارك فيها حتى فنيي الكهرباء والسباكة من أفراد المظلات ولكن كان لضباط وجنود الجهاز دور كبير في تأمين المعسكر فيما بعد.

× ثقة في النصر:

كانت القيادة واثقة من النصر لما بذله الضباط والجنود في اليوم الأول للمعركة فتفتقت عبقرية القيادة على خطة جديدة في اليوم الثاني بحيث يكون الهجوم على القوات المتمردة الساعة الثالثة صباحا لمعرفتها أن العدو لا يجيد القتال ليلا وحتى لايتمكن العدو من ترتيب نفسه من جديد للهجوم على الفرقة مرة أخرى لذلك كان التفكير بالهجوم المتواصل عليه وساعد القيادة على النصر معرفتها بطبيعة أسلوب وقتال العدو إضافة لتدخل سلاح الطيران في اليوم الثاني. كل ذلك ساهم في القضاء على العدو خلال 48 ساعة فقط ومن ثم تأمين المعسكر بشكل كامل. كانت المفاجأة أن تحصلت القوات الظافرة والمنتصرة بداخل المعسكر على مسيرات وعربات قتالية وأجهزة اتصالات وكمية من الذخائر المتنوعة كانت نقطة امداد للمهندسين بذخائر المدفعية وخلافه، بالإضافة للبصات والشاحنات الثقيلة والبكاسي وبعض الشاحنات محملة بمواد غذائية لقوات المليشيا ووجدوا داخل المعسكر ضباطا مأسورين وعلى رأسهم اللواء الصادق سيد الدفعة 38.

× سرية استعداد:

بعد استلام المعسكر كون العميد عمار الصديق ورفاقه سرية استعداد تتحرك لمناطق بعيدة لتأمين المنطقة وطرد العدو بعيدا من حدود المسؤولية وهذه هي نفس السرية التي استشهد فيها عثمان مكاوي في الإسكان بجوار منزل المتمرد السافنا. ومن خلال متابعتي كمراقب لتفاعلات السودانيين في الوسائط المتعددة والنقاشات العامة لاحظت أن أغلبهم أبدوا اعجابا كبيرا لما قدمه الحرس الرئاسي في القيادة العامة وفي اليوم الأول من الحرب و(هم يستحقون ذلك وأكثر) في الوقت الذي توجد فيه معركة أخرى لاتقل أهمية وهي معركة سركاب والتي تحدثنا عن تفاصيلها أعلاه ولكنها للأسف لم تجد ذات الاهتمام الذي وجدته معركة الحرس الرئاسي فمعركة سركاب هي الأخرى واجه فيها عدد قليل جدا من الضباط والجنود آلاف المرتزقة وأرتال من العربات وهزموهم شر هزيمة مع أن المعركة لم تكن متكافئة كما هو في حالة معركة الحرس الرئاسي.

× تقدير وتكريم:

هؤلاء أيضا أحق بالتقدير والتكريم لأنهم قهروا لنا المتمردين الذين رأوا أن طريق الحرب والجريمة والخيانة هو الطريق الأنسب لهم. يستحق أبطال سركاب التكريم من القيادة والشعب لأنهم كانوا السبب الأول والأساسي في تأمين محلية كرري والقاعدة الجوية بعد معركة تجلت فيها كل المعجزات والكرامات وكل صنوف التضحيات التي يكتبها التاريخ.

× بكاء حميدتي:

أتدرون لماذا دخل حميدتي في موجة بكاء حاد عندما علم أن العميد عمار الصديق دخل بجنوده لمعسكر سركاب بعد أن حول جنود المليشيا إلى كوم رماد ومزقهم إربا إربا، واستولى على كل الآليات العسكرية والعربات القتالية هنا بكى حميدتي بحرقة لأنه يعلم بدون شك أنه فقد معسكرا مهما واستراتيجيا حيث كان حصنا أمينا لقياداته إضافة إلى أنه تم اعداده بشكل ضخم لينطلقوا منه للاستيلاء على القاعدة الجوية ومن ثم الانطلاق نحو شندي وعطبرة. وهنا لابد أن أشير إلى أن القاعدة الجوية لعبت الدور الكبير والعظيم جدا في كسر عظم المليشيا والقضاء على الكتلة الصلبة فيها. ولولاها لما استطعت أن أتخيل حال السودان مع الجنجويد. وفي تقديري أن سعادة العميد عمار الصديق جاد الله قاد معركة سركاب مع زملائه وجنوده وحسمها لصالح الوطن في 48 ساعة فقط فيرجع الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى إلى أن الرجل مؤهل فنيا وعسكريا لمثل هذه المعارك وأنه وصل إلى أن تولى مسؤولية قيادة الفرقة التاسعة المحمولة جوا ليس بفضل أحد ولا بدعم أحد كما يفعل حميدتي حيث يتم تعيين القادة من مكون الوهم الكبير المسمى العطاوة وتزداد مكانة القائد في الترقي والنفوذ والحكم كلما كان من الرزيقات ثم الماهرية ثم أولاد منصور الأسرة التي كانت ستكون سلالة الملك في السودان. ولعل هذا هو الفرق بين القوات المسلحة والمليشيا المتمردة، فالبرهان من نهر النيل وكباشي من الجبال وإبراهيم جابر من دارفور وعمار الصديق من الجزيرة وحسين جودات من غرب كردفان. فقط يجمع بين هؤلاء القادة شرف الجندية وحب الوطن والدفاع عنه ولذلك من الطبيعي جدا أن تكون نتيجة هذه الحرب لصالح القوات المسلحة ومن الطبيعي كذلك أن يشعر السودانيون أنهم جميعا ينتمون إلى القوات المسلحة ويفرحوا بانتصاراتها في أي مكان ولا فرق أن يكون المكان الفاشر أو سنجة أو شندي أو نيالا أو الضعين وكذلك يلتفوا حول قائدها أينما ذهب.