
حسين خوجلي يكتب: الوخز بالكلمات
ولألوان كلمة
حسين خوجلي
الوخز بالكلمات
١/ أستمعت البارحة لحوار لقناة الحدث مع رئيس تحرير صحيفة سودانية وآخر بوق إعلامي ناطق بإسم الجنجويد بلندن وكان الحوار حول تقدم الجيش السوداني وتحريره للجزيرة وإطباقه على الخرطوم وتراجع المليشيا وتشتت قواها وفقدانها لأغلب مواقعها، وقد قدمت المذيعة تقريراً شفاهياً حول مجريات المعارك وانتصارات القوات المسلحة وقد أفاض الصحفي السوداني بمعلومات ثرة حول تقدم الجيش وتقهقر المليشيا وقد صدمتني إجابة إعلامي الميليشيا من لندن الذي يبدو أنه يسبح خارج التيار، فقد قال معلقاً على انتصارات الجيش الواثقة والموثقة بأن هذه المعلومات حول التحرير وتمشيط أغلب مناطق وسط السودان بأنها محض افتراءات وأكاذيب وادعى هذا المعتوه أن مليشيا الدعم السريع ما زالت تسيطر على الجزيرة والخرطوم وكانت حجته التي تدعو للضحك والرثاء والاشفاق “لو كانوا صادقين فلما لم يذيع الفريق البرهان بيانه من القصر الجمهوري ويعلن فيه تحرير الجزيرة والخرطوم” وقد ذكرتني حجته هذه بحكاية المسطول الذي أطارت العاصفة حقيبته التي تحوي كل مدخراته وأوراقه الثبوتية وعندما نبهه المرافقين له في اللوري المنطلق بكارثته الشخصية المتمثلة في فقدان الحقيبة أجابهم بعين وصوت كسرهم الخدر والغيبوبة قائلاً: ليس هنالك مشكلة فمازال المفتاح في جيبي. كان بيت القصيد في الاجابة الأخيرة للصحفي السوداني الذي نصحه أن يخرج من هذا الوهم وينصح قادته بأن هذه هي الفرصة الأخيرة لكي يحفظوا دماء هؤلاء الشباب المغرر بهم بعد أن أصبحت صحارى الشتات مجمعات بائسة للأرامل واليتامى والجرحى والشيوخ وصارت الضعين وما جاورها مدينة تضج بسرادق العزاء وثكيل الأرامل والأمهات الجريحات لفقدان الصبيان الذين ادخرناهم ليوم كريهةٍ وسداد ثغر حماية للسودان الكبير الموحد وليس لصالح عصابة صممت خصيصاً لفناء وتدمير هذه الربوع الآمنة.
٢/ إهتمت الصحافة العالمية والعربية باللقطة المثيرة للاشمئزاز والجدل والتي أبرزت بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الصهاينة الذي كان يبتسم في بلاهة وخبث وهو يكيل المديح للرئيس ترامب حين حكى عن غزة المدمرة ويطلق مبادرته الامبريالية المستحيلة لطرد أكثر من 2 مليون فلسطيني من غزة حتى يبني شاطئ الريفيرا بالشرق الأوسط مقراً للقمار والاستجمام لأثرياء الغرب والامبراطورية الأمريكية الملعونة. إن ابتسامة نتنياهو وتعليقه المادح المنافق لترامب وهو يثبت أقدام اليهود بالأرض الفلسطينية ويدعمها بالمال والسلاح والقرارات ذلك مشهدٌ كان يفتقد الأبيات الشهيرة للشاعر السوداني الكبير محمد المكي إبراهيم: (من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر).
٣/ بعد أن رأى السودانيون مجاميع المليشيا وهي ترمي وراء ظهورها المسروقات وأسلحتها طلباً للنجاة وهي تيمم صوب المجهول أطلت في ذاكرتهم الشعبية اسمٌ قديم للجيش السوداني (حجر الزلط مين بقيسو) وقد عبرت أغنية الحماسة في احدى مقاطعها الذكية الحالة الراهنة للشتات وهم يهرولون بلا هادي وبلا دليل:
جريتو جري السواد
وكسّرتو شدر القِداد
وقايلنو قصب البِلاد
٤/ ما زال الإعلامي السوداني الجهير السيرة فوزي بشرى يشرف الاعلام العربي بفكرته الناصعة ومفرداته الحارة ومبدئيته الراسخة وهو يدافع عن أمته وقضاياها في ثبات غير هيّاب ويظل إبن البشرى أحد بشريات قناة الجزيرة القطرية الواثقة بدورها الوطني الذي خُلق لها وخُلقت له. وتظل الجزيرة واحدة في صدقها وتجردها ورساليتها وسط جيش متلاطم من قنوات التجهيل والتعتيم وتسويق الهزيمة. نعم هي واحدة والواحد العظيم يشكل أغلبية.
٥/ في غمرة الحياة والتفاصيل قد تغيب الحكمة حتى من الذين يصنعون الحكمة ويصوغون المعاني الكبار، فقد استوقفتني حكاية ذلك الصحابي غير الشهير الذي كانت بينه وبين سيدنا علي بن أبي طالب سوء تفاهم وخصومة فكتب لأبي تراب رسالة يدعوه فيها أن يأتيه ليصالحه، فاستغرب سيدنا علي للطلب وعندما قدم عليه سأله سيدنا علي ولم لم تأتيني أنت؟! فقال الصحابي المغمور في صدقٍ وحب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” وأنت خيرٌ مني يا صاحب رسول الله وإبن عمه وأول المؤمنين برسالته.
٦/ ما زال الشعر العربي يهز وجدان السودانيين بعزته ورصانته وهتافيته وللشعر السوداني القدح المعلى في الرمزية والمباشرة ودائماً ما كانت تهزني وتطربني قصيدة الشاعر وعضو مجلس السيادة الأول والمعلم الوطني أحمد محمد صالح والد الشاعر والأديب والاعلامي والسفير صلاح أحمد محمد صالح وشقيقه الاعلامي عبد الرحمن أحمد واخوانهم، وليت المعسكرات المقاتلة الآن تردد في لياليها الثقافية وحين استراحة المحارب قصيدة فينوس التي تبدأ بالاطلالة الوسيمة.
لما جلوك على الملا وتخيروا الخطاب بعدى
هرعوا إليك جماعة وبقيت مثل السيف وحدى
ويتدفق النص المهيب إلى نهاياته المبهرة
غرد كما شاء البيان محدّثاً عن خير عهد
أيام كان لواؤنا الجبار من سهل لوهد
وأذكر لنا عهد الجدود وصف لنا أيام أحد
في القادسية يوم سار النصر من بند لبند
وتغن من فنن إلـى فنن ومن غور لنجد
يا وارث الأدب التليد وباني الأدب الأجد
علم شباب الواديين خلائق الرجل الأشد
علمهم أن الخنوع مذلة والجبن يردى
علمهم أن الحياة تسير في جزر ومد
علمهـم أن التمسح بالفرنجة غير مجدى
علمهم أن العروبة ركن إعزاز ومجد
٧/ ومن وصايا عكير التي يتداولها الأخيار والأطهار من الدامر حتى الفاشر أبياته الشهيرة
خاوي الأغبش الحافظ الكتاب والمِلة
رافع راسو فوق ما برضى عيشة الذِلة
وأبعد من طريق الما بقول بسم الله
والجار الفَسِل أحسن تسيبلو الحِلة