التحالفات السياسية .. نصف قرن من “الأزمة”

الخرطوم: الهضيبي يس

عرف السودان التحالفات الحزبية منذ خمسينيات القرن الماضي. وخلال معارضة الأحزاب السياسية لحكومة الرئيس المعزول عمر البشير، تأسس التجمع الوطني الديمقراطي الذي مثل وقتها أكبر ائتلاف لمعارضة السلطة الحاكمة سياسيا وعسكريا، مستمدا قوته من الحركة الشعبية التي كانت تقاتل نظام البشير في جنوب السودان. كما أسست أحزاب الأمة والاتحادي والتحالف الديمقراطي أذرعا عسكرية، إلا أن تأثيرها على الأرض لم يكن قويا مقارنة بالحركة الشعبية التي كانت تحارب بضراوة بجنوب السودان تحت قيادة زعيمها الراحل جون قرنق.

× اتفاق سلام:

وفي العام 2005 وقعت الحكومة السودانية اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية لإنهاء الحرب، وفي السنة ذاتها تم التوقيع على ما عرف بـ”اتفاقية القاهرة” مع التجمع الديمقراطي لوقف المشاحنات السياسية. لتبدأ نهاية رحلة هذا الائتلاف الكبير. لكنّ عددا من مكوناته استمرت بعدها في معارضة السلطة منفردة، خاصة بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، إذ عادت تلك الأحزاب لتنظيم تكتلات معارضة من خارج البلاد تحت اسم “تحالف جوبا”، الذي لم يصمد كثيرا.

× قوى الإجماع الوطني:

في العام 2009م انتقلت غالبية الأحزاب لتكوين ائتلاف “قوى الإجماع الوطني”، الذي ضم 17 حزبا معارضا أبرزها حزب “المؤتمر الشعبي” ذو التوجه الإسلامي وحزب “الأمة” القومي والشيوعي و”الحزب الناصري” و”البعث” وغيرها. وبعد نحو 3 سنوات تصدّع هذا التحالف، فخرج منه “المؤتمر الشعبي” إثر خلافات عاصفة مع مكوناته بسبب توصيف ما جرى في مصر بعد الإطاحة بحكومة الرئيس المصري المنتخب وقتها محمد مرسي، إذ رفضت عدد من الأحزاب في قوى الإجماع اعتبار ما حدث “انقلابا” وعارضت إدانته. كما خرجت من “ائتلاف قوى الإجماع” أحزاب “الأمة” و”المؤتمر السوداني” و”البعث” بعد احتدام الخلافات في قضايا عديدة، واتجه عدد منها للتواصل مع حركات مسلحة كانت تقاتل حكومة البشير في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ليتم التوافق في العام 2014 على تأسيس كيان جديد باسم “نداء السودان”، وقّع قادته على ميثاق يهدف لإسقاط النظام الحاكم والتأسيس لدولة ديمقراطية، كما تم تأسيس “تحالف الجبهة الثورية” من قوى مسلحة ومدنية.

× تحالفات هشة:

واللافت أن هذه التحالفات كلها كانت هشة وتؤسس على الحد الأدنى من الاتفاق، لذا سرعان ما تنفضّ حينما يصل كل طرف لمبتغاه، وهو ما حدث حين أنهت “الحركة الشعبية” بزعامة جون قرنق تحالفها مع أحزاب “التجمع الوطني” فور توصّلها لصفقة السلام بتوقيع اتفاقية “نيفاشا” مع نظام البشير. أما أحزاب التجمع التي وقعت “اتفاق القاهرة” ودخلت البرلمان، فخفت حدّة معارضتها للسلطة عمليا. ووفقا للمحلل السياسي النور أحمد النور، فإن معظم التحالفات في الساحة تبنى على صيغة “الحد الأدنى”، وهو ما يُصعب من استمراره نسبة لأنها لا تستند على مبادئ فكرية صلبة وإنما تنبني على مواقف براغماتية وقتية، سرعان ما تنفض. ولذلك لا تصلح كصيغة للعمل السياسي في بلد لم تنهض فيه العملية السياسية على مبادئ دستورية متفق عليها”.

× الحرية والتغيير:

والشاهد أن “ائتلاف الحرية والتغيير” الذي أعلن في يناير من العام 2019 ووقّع عليه 74 حزبا وجسما من المكونات الفئوية والمهنية وقوى مسلحة، تقزّم دوره مع خلافات مكوناته، مقابل صعود أجسام جديدة على رأسها “لجان المقاومة” وكيان “غاضبون بلا حدود”، تتبنى الدعوة للاحتجاجات شبه المستمرة ضد السلطة العسكرية منذ 25 أكتوبر لعام 2022م. فمنذ مفاوضات السلام التي بدأتها الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة، التي هي جزء من الائتلاف الكبير، بدأت المشاحنات تظهر بين الحلفاء، لكن الأمر تطوّر بعد ما عُرف بـ”انقلاب” قائد الجيش على الحكومة المدنية بتأييد القوى المسلحة للإجراءات، إذ اعتبرها رئيس “حركة تحرير السودان” مني أركو مناوي ورئيس “حركة العدل والمساواة” جبريل إبراهيم خطوات تصحيحية للحد من سيطرة أحزاب بعينها على القرارات. وعمدت هذه الحركات تؤيدها أحزاب مدنية للإعلان عن كيان باسم الحرية والتغيير – التوافق الوطني- ليكون في مواجهة مجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير التي تعارض العسكر وتؤيد الاحتجاجات الشعبية ضده، ويقودها أحزاب أبرزها “الأمة القومي” و”المؤتمر السوداني” و”التجمع الاتحادي”.
ومن ائتلاف الحرية والتغيير العريض خرجت كذلك مجموعة القوى الوطنية بعد أن قرر الائتلاف فصل اثنين من قادة التنظيمات هما يوسف محمد زين وحيدر الصافي بذريعة التواصل مع المكون العسكري. كما انقسم “تجمّع المهنيين” لفصيلين يؤيد أحدهما “مجموعة المجلس المركزي”، في حين اختار الثاني صفّ الحزب الشيوعي الذي انفصل باكرا عن الحرية والتغيير وتبنى معارضة حكومتها التي رأسها عبد الله حمدوك، والسعي لإسقاطها.

× تحالف الشيوعي:

واعلن “الحزب الشيوعي” بعدها عن تحالف جديد باسم “قوى التغيير الجذري” ضم لجانبه 12 من الأجسام المهنية والفئوية بما في ذلك المفصولون من الشرطة تعسفيا، واتحاد مزارعي الجزيرة، والاتحاد النسائي، إضافة إلى أسر الشهداء وأحد فصيلي تجمع المهنيين.
وفي شهر مايو من ذات العام تحدّث قادة الشيوعي عن اقتراب تأسيس ما أطلقوا عليه “تحالف الأقوياء” لإسقاط “الانقلاب”، في أعقاب مشاورات مع الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، لكن أيا من الحركتين لم تنضم للتحالف الوليد حتى الآن، كما لم تشارك فيه قوى سياسية معروفة.

× نشاط إسلامي:

وعلى الجانب الآخر تنشط تحالفات محسوبة على نظام الرئيس البشير سابقا باعتبار أن قادتها ممن شاركوا في حكومة البشير، أبرزها “تحالف البرنامج الوطني” برئاسة التجاني السيسي، كما يبرز “ائتلاف التيار الإسلامي” العريض الذي يضم تيارات إسلامية وسلفية لا تخفي تأييدها للمكون العسكري. سيما وانه – عقب أندلاع حرب 15 من شهر أبريل لعام 2023 من الملاحظ تغير موازين تلك التحالفات السياسية التي لم تستطع حتى الآن استحداث أي متغير يصب في ايقاف الحرب التي اندلعت مابين الجيش، وقوات الدعم السريع. وأبرز تلك التحالفات تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” – بقيادة رئيس الوزراء ما بعد أندلاع ثورة ديسمبر لعام 201‪9 عبدلله حمدوك وهي الأخرى حسب أفاده الكاتب الصحفي عثمان البشرى تعاني من تحديات وتصدعات داخلية بدأت من التوافق حول رؤية موحدة ناحية إنهاء الحرب نفسها وسبل وأدوات ذلك. واستدل هنا بموقف قيادات “الجبهة الثورية” بقيادة الهادي أديس والذهاب في خط تكوين مايعرف بحكومة المنفى. كذلك هناك تحدي آخر وهو طبيعة الموقف الشعبي الداخلي في السودان والذي يعتبر ان هذا التحالف قد تماهى مع مشروع الدعم السريع “السياسي” بل ومضى في توقيع اتفاق سابق خلال شهر يناير من العام 2024م ذهب إدراج الرياح عقب تحرير مدينة ود مدني بولاية الجزيرة بوسط السودان.

× شخصيات قومية:

والآن مع اقتراب نهايات الحرب بوسط السودان برز تحالف جديد تقوده مجموعة من الشخصيات التي تطلق على نفسها مسمى “القومية” – ولكن على ما يبدو أنها مجموعة تسعى لأن تكون جزء من أي تموضع سياسي جديد يتوقع ان يقود البلاد خلال مرحلتها المقبلة وهو ما لم يكون مقنعا مع تحالفات أخرى ربما ستتشكل في الفترة القادمة من عصب “الحرب” نفسها.