سر الختم الخليفة .. أستاذ الأساتذة وسيد الزاهدين

شخصيات ضد النسيان

++++++

سر الختم الخليفة .. أستاذ الأساتذة وسيد الزاهدين

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

في تاريخنا المعاصر شخصيات وصلت مرحلة الدخول لموسوعة الأساطير والقداسة وستظل معلما من معالم الإنجاز والاعجاز لما كان من نتاج باهر على الصعيد المهني والإنساني
بالدويم. وفي العام 1918 كان ميلاده الذي ملأ السودان علما ونزاهة وإنسانية، وبل خدمة لمجتمعه ووطنه.
تلقى أولى خطوات درسه النظامي بالدويم الأولية التي أظهر فيها نبوغا غير عادي، ليلتحق علي الفور بالقسم التجهيزي بكلية غردون التذكارية في العام 1930 فكان ووفق حديثه للإذاعة السودانية في برنامج (شريط الذكريات) الذي اعده وقدمه الراحل حمزة مصطفي الشفيع من بين 22 طالبا وقع عليهم الاختيار بقسم المعلمين حديث التأسيس حينها
بمشقة التحصيل الأكاديمي في مرحلة الدراسة الأولى بالقسم. كان النبوغ حليفه في المجموعة التي تم اختيارها لنيل سنتان إضافيتان بالمدرسة العليا حديثة التأسيس كذلك وهي المجموعة الأولى التي إلتحقت بها في العام 1934 وهو الحظ الذي جعل من المجموعة التي ضمت الأساطير السودانية في مجال التعليم أعلاما سارت بذكرها ركبان الذكر الحسن في سنوات قادمات.
لك عزيزي القاريء ان تتخيل مجموعة ضمت: (جمال محمد أحمد، عبد الله الطيب، أحمد الطيب أحمد، حسين كمال، شفيق شوقي، سر الختم الخليفة، أحمد فزع، عبد الرحيم الأمين وجميعهم أصبحوا أعلاما لا تخطئها العين.
تزامن تخرج المجموعة الحوجة للمعلمين بمعهد التربية بخت الرضا والمدارس العليا فكانوا خير اختيار للعمل. حينها
تخصص الأستاذ سر الختم الخليفة في تأهيل المعلمين بعد ابتعاثه لجامعة لندن في العام 1949 وقبلها كان معلم المعلمين بمعهد التربية بخت الرضا.
نثر الأستاذ عصارة جهده لتدريب المعلمين حتى أوصلته قدراته الفذة لإبتعاثه مرة أخرى وبعد أربع سنوات من البعثة الأولى لجامعة لندن لنيل دراسات متقدمة في التربية وطرائق التدريس المتقدمة وهو ما جعله حينها وصولا لمرحلة قادة تأهيل المعلمين بمعهد التربية بخت الرضا بصحبة المجموعة الفذة من زملائه المعلمين أصبح رئيسا لشعبة التدريب بالمعهد حتي أتى أوان استقلال البلاد.
في ابريل من العام 1957 اختير مديرا للتعليم بالمديريات الجنوبية فظل في المنصب حتى العام 1961 وهي الفترة التي قام فيها بخلق علاقات ممتدة مع القيادات الأهلية بجنوب السودان، فكانت نظرة بعيدة الهدف لشخصه المستنير بعمل مزدوج ما بين إدارة التعليم بالمديريات الجنوبية وتأهيل المعلمين وأحيانا كما صرح المعلمون من معاصروه بأداء حصص داخل الفصول المدرسية كيف لا وهو المعلم صاحب التأهيل المتقدم تدريبا وتدريسا وإدارة تربوية.
يحكي أولئك المعاصرون أن مهمة وظيفته كانت إدارة التعليم فقط وهو ما تخطاه الأستاذ العظيم ليعمل في تلك المهام الشاقة.
حين التوسع في التعليم الفني لم تجد وزارة التربية والتعليم شخصا يدير المعهد الفني بالخرطوم سواه لما عرف عنه التفاني في عمله والجدية المصحوبة بالاختبارات والابتكارات المدهشة فكان أشهر من تولى المنصب ومن عجب عجاب كان يطمح في تطوير المعهد الفني ليصبح جامعة قائمة بذاتها وهو ما تحقق بعد ثلاثون عاما في العام 1991 ويوم افتتاح وتدشين الجامعة من المعهد الفني وأصبح إسمها جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا تمت دعوته فكان أن حبس أدمعه لتحقيق حلمه فقال: (اليوم وبعد ثلاثون عاما تحقق حلمي).
تقول الوثائق المروية عنه أنه وفي أي منصب عمل به كان اجماع الناس عليه وهو ما كان من أمر اختياره رئيسا للوزراء في اكتوبر 1964 تلك الأيام المضطربات بالتنافر والبحث عن استقطاب الأحزاب لما يعتمل لديها من تنافر واضح، فكان الإجماع عليه من كل المتنافرين الذين أرهقوه فيما بعد بتلك المشاحنات والاختلافات الواضحة في مسيرة الفترة الانتقالية.
تقدم بإستقالته مرتان الأولى بتاريخ 12 فبراير 1964 والثانية حين أعلن تاريخ الانتخابات البرلمانية ليجعل من نفسه بعيدا عن أي استقطاب حزبي وهو ما حفظه له التاريخ كشخص قومي التوجه واضح الرؤية في جعل البلاد تنأى عن انزلاق سياسي وهو على سدة حكمها.
ذهب الأستاذ وهو اللقب المحبب له لمنزله غير عابئ بما تدخره الأيام وحينها لم يكن له منزل مملوك له بل يسكن في بيت مستأجر شأنه شأن البسطاء من أبناء الشعب
أتته المناصب تجري على عجل فتم اختياره سفيرا للسودان بإنجلترا ليبدأ رحلة عمل جديدة ملؤها حب السودان وأهله، فكان خير سفير في بلاد يعرف أهلها ويعرفونه.
يعتبر الأستاذ سر الختم الخليفة السوداني الأوحد الذي وضعته الأقدار في مناصب تشرفت به قبل أن يتشرف بها معلما وسفيرا وزيرا ورئيسا للوزراء ومستشارا لوزير التربية والتعليم ورئيسا لمنظمة حجار الخيرية.
حين أتت مايو قام أحد قادتها من المدنيين ممن كانوا حسادا له في ماضي أيام بإنهاء خدمته في سفارة السودان بلندن ليعود إلى وطنه ليأتي اختيار جديد لشخصه كسفير للسودان بإيطاليا التي بقي فيها عامان ليتم اختياره وزيرا للتربية والتعليم في العام 1974م.
في سيرته محبة العلم والتعليم والمبادرات الحية ومن ذلك مشاركته في تأسيس جامعة أمدرمان الأهلية التي ظل في مجلس أمنائها حتي وفاته.
للمرحوم مبادرات حية ومنها حين عمله سفيرا بلندن قام بتوقيع اتفاقية دعم التعليم الفني بالمدارس وهو ما ظل تعاونا بين السودان وبريطانيا حتي بعد تركه المنصب، زائدا اهتماماته المتعلقة بالمناهج الدراسية وهو ما جعله عضوا فيها حتى بعد تقدمه في العمر وهو ما كان يرفضه إذ كانت به روح الشباب أناقة وحركة ونشاطا.
طبت حيا وميتا أيها الرجل العظيم).