الوثيقة الدستورية .. جدل الشرعية والتعديل

بعد أكثر من 3 سنوات على تجميد بعض بنودها

الوثيقة الدستورية .. جدل الشرعية والتعديل

حاتم السر: يجب توسيع دائرة المشاورات لتسمية رئيس وزراء مستقل

حاكم دارفور: لم أطالب قط بمنحنا 75% من السلطة

+++++++

أمدرمان: الهضيبي يس
يتجه مجلس السيادة السوداني برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لتبني تدابير تسمح بتعديلات على الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد، بعد أكثر من 3 سنوات على تجميد بعض بنودها، وسط تباين بشأن عدم وجود سلطة تتيح إجراء تعديلات دستورية في غياب برلمان تأسيسي أو توافق سياسي. ويرى مراقبون أن المكون العسكري يسعى إلى تعديلات دستورية تتيح إعادة اقتسام السلطة مع حركات مسلحة وقوى سياسية تساند الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع بعد خروج الأخيرة وتحالف قوى الحرية والتغيير من معادلة الحكم.

× تاريخ الوثيقة:

في شهر أغسطس من العام 2019، وقّع كل من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم)، وثيقتي “الإعلان الدستوري” و”الإعلان السياسي”، بشأن هياكل وتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية.
ثم أدخلت تعديلات على الوثيقة الدستورية عندما صادق عليها مجلسا السيادة والوزراء في شهر أكتوبر من العام 2020 شملت اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في أكتوبر من العام 2020، بين حكومة السودان الانتقالية، وأطراف العملية السلمية بإعتباره “جزءا لا يتجزأ منها”.

× تعطيل بعض البنود:

وفي أكتوبر من العام 2021، تم تعطيل الوثيقة، حينها أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ في السودان، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية والشراكة مع تحالف قوى الحرية والتغيير بعد إزاحتها عن السلطة واستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
ومؤخراً شارفت لجنة خاصة شكلها مجلس السيادة الانتقالي من إنهاء عملها المتعلق بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لعام 2019، وتعمل اللجنة التي تضم وزراء وخبراء على وضع مقترحات تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية من الحرب وما بعدها، بهدف التوفيق بين التزامات السودان الداخلية والدولية.

× رئيس وزراء مدني:

وبحسب مقربون من مجلس السيادة والحكومة فإن التعديلات المقترحة تشمل تعيين رئيس وزراء مدني يتولى قيادة حكومة انتقالية معنية بإعادة بناء البلاد وإدارة الجانب المدني من الأزمة، بالإضافة إلى عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي وتفعيل دور الحكومة المدنية حيث أفادت المصادر بأن هذه التعديلات لن تمس جوهر اتفاقية جوبا للسلام، لكنها ستعيد النظر في هيكلية مجلسي السيادة والوزراء وتوزيع الصلاحيات بينهما.
ويتوقع عرض مقترحات التعديلات على اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء باعتبارهما – بحسب الوثيقة – الجهاز التشريعي المؤقت للنظر فيها وإقرارها.

× ملاحظات جوهرية:

بالمقابل كشف حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي أن الحوار داخل مجلسي السيادة والوزراء لا يزال جاريا بشأن التعديلات الدستورية وأنهم أبدوا ملاحظات جوهرية على التعديلات التي أغفلت قضايا ونقاطا جوهرية.
وأوضح خلال لقاء مع صحفيين في بورتسودان الأحد الماضي أنهم طالبوا بتوزيع جديد لنسب اقتسام السلطة في الوثيقة الدستورية والتي وضعت عمليا 75% من السلطة بيد المكون العسكري بعد خروج تحالف قوى الحرية والتغيير من المشهد. ونفى مناوي بشدة أن يكون قد طالب بمنحه منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وقال إنه ظل يرفض فكرة ترشيحه للمنصب لأنه لا يريد للمناصب أن تكون سببا في صرف الجهود عن معركة إجهاض مؤامرة تفكيك السودان بعد أن أفشلوا مؤامرة انقلاب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” لاختطاف السلطة، على حد تعبيره.

× توسيع دائرة المشاورات:

إلى ذلك دعا المرشح الرئاسي السابق ومستشار رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، إلى توسيع دائرة المشاورات لتسمية رئيس وزراء توافقي مستقل غير حزبي وتكليفه بالتشكيل الحكومي الجديد. وقال السر، في تغريدة في منصة “إكس”، إنه لا يوجد مبرر لهذا التأخير بتشكيل حكومة مدنية، وأضاف “الأفضل أن يباشر البرهان الإشراف على التشكيل بنفسه لا عن طريق وسطاء”، ولفت إلى اهتمام أطراف إقليمية ودولية بإسناد الحكم في المرحلة الانتقالية لحكومة يقودها مدنيون حتى وإن شهدت مشاركة عسكريين.

× وثيقة بلا مشروعية:

ويعتقد قانونيون أن الوثيقة الدستورية باتت بلا مشروعية بعد خروج قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي وقعها مع تحالف قوى الحرية والتغيير، وينبغي إصدار وثيقة جديدة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب. ويرى أستاذ القانون في الجامعات السودانية عاطف سعد الله أن الوثيقة الدستورية نشأت مغلقة ولم تفتح أي مجال للإضافة والتعديل خاصة أن المجلس التشريعي الذي نصت عليه لم يشكل. ويوضح سعد الله أن صياغة الوثيقة لم يشارك فيها خبراء في القانون الدستوري ولا يتضح إن كانت دستورا انتقاليا أو مؤقتا أم اتفاقا سياسيا لا يرقى أن يوصف بالدستورية.
وبحسب سعد الله فإن الأفضل لمجلس السيادة أن يعمل بأعراف حكومة الأمر الواقع التي لا حدود لسلطاتها دستوريا أو قانونيا وذلك بعد إعلان حال الطوارئ.

× مؤتمر دستوري:

كذلك ينظر خبراء قانونيون آخرون أن الدستور يجب أن يصدر عن مؤتمر دستوري أو جمعية تأسيسية، وليس عن سلطة سيادية.
ويقول هنا رئيس اللجنة القانونية في تحالف قوى الحرية والتغيير السابق والخبير القانوني نبيل أديب إن “الوثيقة الدستورية هي دستور الفترة الانتقالية، ولا يجوز تعديلها إلا بواسطة سلطة تأسيسية فرعية، وهو حوار سوداني سوداني دون عزل أي طرف بعد فشل تجربتين في أوقات سابقة في إقرار الدستور عبر جمعية تأسيسية وتم استبدال مؤتمر دستوري بها”. ويشدد الخبير القانوني أن الوثيقة الدستورية نشأت من سلطة الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس عمر البشير، وفوّضت قوى الحرية والتغيير، وصارت هناك سلطة تأسيسية، ولا يجوز تعديل الوثيقة إلا عبر سلطة تأسيسية فرعية تنشأ بالتوافق السياسي.
موكدا أنه ليس للمجلس التشريعي المؤقت الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية – وهو اجتماع مشترك للمجلس السياسي ومجلس الوزراء- سلطة لتعديل الوثيقة لأنه معني بالتشريعات فقط.