محمد وردي .. أكبر صفحة في تاريخ الغناء

في الذكرى ال 13 لرحيله

محمد وردي .. أكبر صفحة في تاريخ الغناء

تحدى طلعت فريد ورفض تعديل كلمات هذه الأنشودة

اختلف مع إسماعيل حسن وغنى للحلنقي والدوش والتجاني وشريف

بقلم: ود الشريف

في مثل هذا اليوم من العام 2012م غادر دنيانا الفانية الهرم الفني الكبير محمد وردي، وترك فراغا فنيا وابداعيا لن يملأه أحد. محمد وردي نافورة الألحان كل اغنياته من ألحانه عدا أغنية (الحب والورود) المعروفة.. ب (يا طير يا طاير)، لحنها علي أحمد وهي أول اغنية تبث له عبر الإذاعة بخلاف أغنية (القمر بوبا) وأغنية (الليلة يا سمرة) وأغنيات نوبية أذيعت عبر برنامج ربوع السودان، وثاني الأغنيات التي ليست من ألحانه أغنية (الوصية) التي لحنها برعي محمد دفع الله. بخلاف ذلك وكما ذكرنا كل أغنياته من ألحانه. وكانت البداية بأغنية (ليالي اللقاء أو أول غرام) لحنها وذهب بها إلى علي أحمد وسخر منها علي أحمد وكان آخر لقاء بين الرجلين. انطلق وردي كالسهم في العام 58 وقدم خمسة أغنيات خلال عام واحد وبألحان روعة وأداء أروع مما أجبر مدير الإذاعة وقتها الأستاذ خانجي أن يقوم بترقيته للدرجة الأولى كتفا بكتف مع أحمد المصطفى وحسن عطية والكاشف وعثمان حسين. وقبلها كان وردي قد إلتقى بإبراهيم عوض بمدينة شندي، وقال لإبراهيم عايز أجي الخرطوم وأدخل الإذاعة. وكان رد إبراهيم عوض الإذاعة دي صعبة. وتركه وردي وإلتقى بعدها بفترة بأحمد المصطفى بنفس المدينة وسأله عن الطريق للإذاعة وطلب منه أحمد الغناء وإلتقط العود وردد عدد من الأغنيات، وقال له أحمد المصطفى صوتك أجمل من أصواتنا كلنا، تعال الخرطوم وأنا بساعدك في دخول الإذاعة. جاء وردي العاصمة واستطاع أن يحتل القمة في سنوات قليلة. قدم نشيد الاستقلال للأستاذ عبد الواحد عبد الله في العام 59 وقدم أنشودة يقظة شعب (نحن في الشدة بأس يتجلى) في العام 61 من كلمات الشاعر مرسي صالح سراج. وخلال بروفات هذه الأنشودة دخل عليه اللواء محمد طلعت فريد وزير الإعلام وقتها واستمع إليها وخاطب وردي ما ممكن تدخلو عبود في النشيد ده؟ ورفض وردي رفضا قاطعا، وقال للوزير هذا نشيد للسودان لا فيهو المهدي ولا أزهري ولا عبود ولا أي سياسي، وهدد بعدم تسجيله، وغادر طلعت فريد وهو غاضب. غنى وردي 20 أغنية من كلمات إسماعيل حسن أشهرها (لو بهمسة، والمستحيل، وخاف من الله، وبعد أيه، والوصية)، واختلف مع إسماعيل حسن وكان سبب الخلاف أغنية الصورة كتبها إسحق الحلنقي وذهب بها وردي لإسماعيل فسخر منها وكان الفراق المر بينهما، وبحث إسماعيل عن فنان ينافس وردي، ووجد ضالته في أحمد فرح وقدم له عدد من الأغنيات لكنه فشل في المنافسة، وسافر إلى ليبيا وتوفي هناك. واستمر الخلاف بين وردي وود حد الزين 13 سنة وعاد الصفاء بينهما عام 70 بأغنية أسفاي، وإنفجر الخلاف مرة أخرى عقب خروج وردي من سجن كوبر عام 71 لأن إسماعيل كان (مايوي بحت) وإلتقيا بعدها بسنوات وكانت يد المنون أسرع، ورحل إسماعيل عن الدنيا عام 82. ولم يتوقف فنان أفريقيا الأول في محطة إسماعيل حسن وانتقل لشعراء آخرين، وغنى لصلاح أحمد إبراهيم (الطير المهاجر) أوائل الستينات. وغني (الحبيب العائد) لصديق مدثر و(مرحبا يا شوق) للجيلي عبد المنعم عباس و(جمال الدنيا) لكمال محيسي وغنى لحسن عبد الوهاب، وصاوي عبد الكافي، وجيلي محمد صالح ومحمد الحسن دكتور، وعشرة أغنيات للأستاذ إسحق الحلنقي، وبدأ مع الشعر الحر بأغنية (الود) لعمر الطيب الدوش عام 66 و(الود) تم توزيعها بالقاهرة على يد اليوناني أندريا رايدر، وتواصل حبل الود بينه والدوش وكانت (بناديها)، ثم (الحزن القديم). و(بناديها) لها قصة مع العميد عمر الحاج موسى وزير الإعلام في عهد مايو. وكانت قد صدرت تعليمات بإيقاف بثها عبر الإذاعة والتلفزيون، وفي اجتماع ضخم بالوزارة سبق الليلة الختامية لمهرجان الثقافة وقف وردي وخاطب الوزير قائلا: أنا ما بغني في المهرجان ده. وقال له الوزير: ليه؟. ورد: لأنكم موقفين أغنية بناديها. وطلب الوزير راديو وضعه أمامه وإتصل بمدير الإذاعة وقال ليهو: عايزين نسمع أغنية بناديها. وتم فك سراح الأغنية وأذيعت ووافق وردي علي المشاركة في المهرجان. وإلتقى وردينا بالشاعر القادم من الشمال التجاني سعيد في (من غير ميعاد، وقلت أرحل). ومن المفارقات أن لحن (قلت أرحل) في سجن كوبر. وكان اللقاء الكبير في أوائل السبعينات بشاعر الشعب محجوب شريف، وكانت (يا فارسنا وحارسنا، وإنت يا مايو الخلاص). وإنداحت اللقيا بين الثنائي وقدما (جميلة ومستحيلة، ووتر مشدود، والسنبلاية)، وكل أناشيد انتفاضة رجب أبريل، (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي، وبلا وإنجلا، ويا شعبا تسامى، ويا شعبا لهبك ثوريتك). وتغنى الإمبراطور من كلمات سيد أحمد الحردلو بأغنية (بلدي يا حبوب) وهذه الأغنية لحنها في 24 ساعة، وأجرى البروفات مع الفرقة الموسيقية، وقدمها في اليوم الثاني من استلامها على خشبة المسرح القومي، وكان ختام مهرجان الثقافة الثاني عام 78.
محمد وردي دخل السجن على أيام عبود في قضية حلفا وتم تغريمه 15 جنيها، ودخل السجن في عهد مايو عقب انقلاب الشيوعيين عام 71، وخرج بعد حوالي ستة أشهر وإلتقى مع جماهيره في أول حفل بمدينة المقرن. هاجر عام 82 وعاد لأرض الوطن بعد ثورة رجب أبريل التي أطاحت بجعفر نميري وغنى بالميدان الشرقي لجامعة الخرطوم وسط 60 ألف نسمة. وغادر السودان مرة أخرى عام 89 وعاد في 2002. واستقبل بمطار الخرطوم استقبال الأبطال. احتشد الآلاف من أبناء شعبنا وصفقوا له وقدم ثلاث حفلات جماهيرية بمسرح معرض الخرطوم الدولي. وردي غنى للاستقلال وغنى لثورة أكتوبر ومن منكم لم يردد بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني. وغنى لمايو وغنى لإنتفاضة رجب أبريل واستحق لقب فنان الشعب. ارتبط ثوريا بشاعر أفريقيا محمد الفيتوري وكانت (أصبح الصبح، ولحظة من وسن، وعرس السودان). كما ارتبط بالشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم واستمتعنا بأكتوبر الأخضر وبإيمان جديد بالوطن وبإيمان جديد بالفداء. وإلتقى بصلاح أحمد إبراهيم في يا ثوار أكتوبر يا صناع المجد. وردي تحدث عنه الرئيس التشادي تمبل باي وقال: لماذا يحبك شعب بلادي كل هذا الحب؟. وإلتقى أبو الورود بالعقيد معمر القذافي وبالإمبرطور هيلاسلاسي، وبالرئيس الكاميروني أحمد أهيجو، وغنى في زواج كريمته. وإلتقى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وعلي ناصر محمد رئيس اليمن الجنوبية قبل أن تتوحد اليمن. والكثير من الشخصيات. وقال الفنان الإثيوبي منليك: النيل واحد ومحمد وردي واحد. وقال الموسيقار الماحي سليمان: صوت وردي صوت فريد قوي لن يتكرر. وهنالك إمرأة جنوبية كانت أغنيات وردي سببا في دخولها الإسلام.
غنى محمد وردي في مسارح مصر وإنجلترا وأمريكا، ووقف أمام البنتاجون، وتحدث عن السودان، وغنى في هولندا ودول الخليج وأحيا أكبر حفل بالأستاد الرئيسي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أمه 100 ألف، ومن خلاله توج بلقب فنان أفريقيا الأول.
هذا غيض من فيض محمد وردي الذي شكل وجدان الناس، وأدخل الفرح في قلوبهم بإبداعه الكبير. وللأسف دفن وردي في الثامنة صباحا قبل أن يصحو أغلب أهل السودان بتعليمات من جهاز الأمن، وظهرت المرأة في المقابر لأول مرة. هنالك الكثير من المواقف التاريخية والإنسانية لوردي لا يتسع المجال لذكرها، ونكتفي بهذا. فقط نقول وردي يستحق فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني يحكي عن حياته.