د. بدرية سليمان تكتب: المحكمة الجنائية الدولية ودورها في إعاقة السلام في السودان

كتابات سودانية

المحكمة الجنائية الدولية ودورها في إعاقة السلام في السودان (1-6)

بقلم: مولانا دكتورة بدرية سليمان

ركز الأمين العام للأمم المتحدة في مخاطبته للجمعية العامة للأمم المتحدة للألفية الثالثة في سبتمبر 2000 على ضرورة التدخل الإنساني لأجهزة الأمم المتحدة في الدول محاولاً ترسيخ ذلك المبدأ كمبدأ مناظر للمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة مثل مبدأ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول اللذين أشار لهما الميثاق في مادته الثانية، وأشار في مخاطبته تلك إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تلعب دوراً هاماً في العولمة القانونية لأن حروب اليوم لم تعد حروباً بين دول بعد أن خضع العالم أو هو في طريقة للخضوع لمعيار حضاري وثقافي واجتماعي واقتصادي واحد وأن ما يعاني منه العالم اليوم هو الحروب والصراعات الأهلية المستفحلة التي تقف مبادئ عتيقة في الميثاق- علي حد قوله – دون التصدي لها بقوة العولمة وضرورة التدخل الإنساني حتى في مجال النزاعات الداخلية.

 

× القانون الدولي الإنساني:

إن الدور الإنساني الذي أشار إليه الأمين العام لابد أن يكون ذو علاقة بالقانون الدولي الإنساني الذي هو فرع من فروع القانون الدولي العام الذي ينصرف إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية في النزاعات المسلحة أو أولئك الذين توقفوا عن الاشتراك في تلك الأعمال القتالية كما إنه يعمد إلى تنظيم أساليب ووسائل القتال وإضفاء الطابع الإنساني عليها.
وأحكام القانون الدولي الإنساني أحكام كاشفة لما استقر في ضمير المجتمع الإنساني وفق قواعد عرفية أو أحكام وردت في الكتب السماوية. وكانت إتفاقية جنيف الأولي 1864هي أول إتفاقية مكتوبة وتبع ذلك بقية اتفاقيات جنيف في عام 1929 و1949 وبروتوكوليها فكانت إتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، إتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، إتفاقية جنيف بشأن معاملة أسري الحرب وإتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. وهي ما سميت باتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وواضح أن هذه الاتفاقيات تتعامل مع النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي عدا ما نصت عليه المادة الثالثة المشتركة.
أما النزاعات الداخلية فقد وردت الإشارة إليها في الملحق الثاني لاتفاقيات جنيف سنة 1977 الذي يغطي النزاعات المسلحة التي تنشب بين حكومة من الحكومات وجماعة أو جماعات مسلحة تمارس عمليات عسكرية متواصلة ومنسقة. ولقد جاءت المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لتنص علي أنه في حالة نشوب نزاع مسلح غير ذي طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدني بالنسبة للأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية بمن فيهم الذين القوا السلاح بسبب المرض أو الإصابة أن لا يعتدي علي حياتهم وسلامتهم ولا يؤخذوا كرهائن أو يعتدي علي كرامتهم أو أن تصدر حيالهم أحكام أو عقوبات دون محاكمات قانونية.
وواضح أن المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع يمكن أن تعتبر إتفاقية مصغرة تتحدث عن النزاعات المسلحة غير الدولية دون وضع تعريف لها وتطالب الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف بتوفير الحد الأدنى من الضمانات الإنسانية لضحايا النزاعات.
وجاء البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف خاصاً بالنزاعات المسلحة الدولية وأقتصر البرتوكول الإضافي الثاني بالنزاعات المسلحة غير الدولية ولم يتم الربط بين النوعين من النزاعات في إطار قانوني واحد مما جعل النزاعات المسلحة غير الدولية تتأثر بالضرورة بمبدأ سيادة الدول حتى كان أن كون مجلس الأمن في 1993م محكمتي يوغسلافيا ورواندا للمحاكمة على جرائم الحرب التي ترتكب أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية فكان ذاك أول تفعيل للبروتوكول الإضافي الثاني.

× المحكمة الجنائية الدولية:

قامت لجنة القانون الدولي التي أوكل لها مهمة إعداد مسودة مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بدور هام عندما وضعت المشروع بموضوعية تامة دون التأثر بالمصالح السياسية لدول بعينها فجاءت المواد متزنة رغم إدراج النزاعات الداخلية فيما يمكن أن تختص به المحكمة وكان الاتجاه أن يدرج ما نصت عليه المادة الثالثة من الملحق الثاني لاتفاقية جنيف وبالأخص عبارة ” إنه لا يجوز الاحتجاج بأي من أحكام هذا الملحق بقصد المساس بسيادة أية دولة أو بمسؤولية أي حكومة في الحفاظ بكافة الطرق المشروعة علي النظام أو القانون في الدولة أو في إعادتهما إلى ربوعه أو الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها.
في 17يوليو 1998 تم إقرار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بعد موافقة 66 دولة عليه ولقد عبرت ديباجة الاتفاقية عن الأسباب الأساسية والمبررات التي أدت إلى إنشاء تلك المحكمة وإنشاء ذاك النظام القضائي الجنائي الدائم والآمال المعقودة علية حين جاء في الفقرة الرابعة من الديباجة أن الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأثره يجب أن لا تمر دون عقاب وإنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها علي نحو فعال من خلال تدابير تتخذ علي الصعيد الوطني وكذلك من خلال التعاون الدولي.
وجاء في الفقرة السادسة للديباجة إنه من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية علي أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية.
وأبرزت الفقرة الثامنة من الديباجة أن الدول الأطراف تؤكد أنه لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية دولة طرف بالتدخل في نزاع مسلح أو الشؤون الداخلية لأية دولة.
أما الفقرة العاشرة من الديباجة فقد أكدت فيها الدول الأطراف إن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب ذلك النظام الأساسي ستكون مكملة للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية لقد حرص النظام الأساسي علي مبدأ التكاملية بنصه صراحة في المادة الأولي منه علي الآتي ” تنشأ بهذا محكمة جنائية دولية وتكون هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها علي الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي وذلك علي النحو المشار إليه في هذا النظام الأساسي. وتكون المحكمة مكملة للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية. ولقد أفرد النظام الأساسي البند (2) من مادته الرابعة لتوضيح اختصاص المحكمة فنص علي أن ” للمحكمة أن تمارس وظائفها وسلطاتها علي النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي في إقليم أي دولة طرف ولها بموجب اتفاق خاص أو دولة ارتضت اختصاص المحكمة بموجب اتفاق خاص أن تمارس اختصاصها في إقليم تلك الدولة مما يبين بوضوح أن المحكمة لا تمارس سلطتها إلا في دولة طرف أو بموجب اتفاق خاص مع دولة ليست طرف في الاتفاقية مع المحكمة الجنائية بإعلان تودعه لدي مسجل المحكمة.
وقد خاطب نظام روما الدول الأطراف فيه للمبادرة بالتحقيق في أي وقائع تشكل أشد الجرائم خطورة علي المجتمع الدولي وهي حسب المادة الخامسة منه جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجريمة العدوان علي أن يتم ذلك بواسطة السلطات الوطنية المختصة طبقاً للقوانين الداخلية سواء الجنائية أو العسكرية باعتبار أن هذا يشكل خط الدفاع الأول للتعامل مع الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.
أما في حالة عجز السلطات الوطنية لدولة منضمة من الاضطلاع بتلك المهمة لسبب أو لآخر فان الاختصاص ينعقد للمحكمة الجنائية الدولية ومن ثم يمكن القول أن دور المحكمة الجنائية دور مكمل للقضاء الوطني وهو ما يتحقق به مبدأ الاختصاص التكميلي أو ما يطلق عليه مبدأ التكامل بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني.