(وودوارد) و(نجم الدين) .. قصص ومواقف من بربر ولندن

جمع بينهما حب السودان

(وودوارد) و(نجم الدين) .. قصص ومواقف من بربر ولندن

الكابلي والحردلو كتبا مرثية في (نجم الدين) لكنها لم توثق

بيتر: الذكاء وراء فشل السياسيين والقادة

كتب: أمين حسن عبد اللطيف

البروفيسور بيتر وودوارد أستاذ العلوم السياسية بجامعة ريدينق البريطانية كان الاختصاصي و”المُجيب الدائم” ببرنامج (السياسة بين السائل والمُجيب)، الذي كانت تبثه هيئة الإذاعة البريطانية وذلك في أي سؤالٍ يتعلّق بالسودان وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود. إذ أن البروفيسور وودوارد خبيراً بالشأن السوداني في كافة المجالات. التقيته في الخرطوم بالعام 2005 وأجريتُ معه حواراً تاريخياً نشرته صحيفة ألوان بالشهر الخامس من ذلك العام، فأذهلتني معرفته الثرّة بالسودان، الذي عملَ فيه مُدرساً وبعددٍ من أقاليمه بعد تخرجّه من الجامعة في أربعينات القرن الماضي وتدرّجَ بالعمل حتى وصلَ إلى مرتبة محاضر بجامعة الخرطوم وبقيّ بها حتى بداية سبعينات القرن الماضي قبل عودته للالتحاق بتلك الجامعة البريطانية.

× حب السودان:

ولمستُ في الرجل حُباً للسودان، مثله مثل كل الذين عملوا به في شبابهم وخاصة في مجال التدريس. وقد يكتشفُ المرء أبعاداً جديدة إثرّ استشفاف بلاده عبر وجدان أجانب عاشوا بها وأحبوها وخبروا طُرق الحياة بمختلف بقاعها وخالطوا أهلها باحترامٍ –وما أصدق احترام المعلمين عند أهل السودان!- طوّف بي الرجل عبر مُدن السودان المُختلفة قبل حقبة الاستقلال وحدثني عن طموح السياسيين السودانيين في الريادة ورغبتهم في ولوج المُستقبل – الزاهر وقتها – بروحٍ جديدة ووثابة رفعةً للمنطقة بأكملها وليس لبلادهم فحسب!، وذكر لي بأنه كان في وسعهم القيام بأكثر من ذلك، إذ أن كل المُعينات متوفرة وأهمها الرغبة والتصميم والإخلاص وقدرة وخبرة السياسيين الأوائل بعد الاستقلال. وحدثنّي عن زوجته الاسكتلاندية التي تعرّف عليها في مدينة بربر حيث كانت تعمل مُدرسةً أيضاً، وقد عمقّت تلك المدينة العريقة علاقتهما ببعضهما وبالسودان إذ أنها كانت مركزاً للاشعاع الثقافي والفنّي حينئذٍ وما فتئت.

× المخابرات البريطانية:

نشرتُ ذلك اللقاء حواراً مُطولاً في صحيفة “ألوان” السودانية بالشهر الخامس من ذلك العام نسبةً للمعلومات الثرّة التي يحملها ذلك الرجل الأكاديمي توثيقاً لبعض تاريخ البلاد المُبعثر. وكان من ضمن أسئلتي له: ماهي علاقتك بالمُخابرات البريطانية؟! وكان رده – الذكي والعميق: (إذا ما كانت هنالك علاقة فهيّ أبعد من إدراكي)!. فهل لذلك يا تُرى تترجمُ مفردة المخابرات بالإنجليزية (Intelligence) أي ذكاء؟!. وهل بسبب ذلك “الذكاء” يُعزى فشل الكثيرين من القادة على الرغم من مقدراتهم وخبراتهم وآمال الشعوب المُعلقة بهم؟!.

× فقدُ سوداني:

في سبعينات القرن الماضي انتقل إلى رحمة الله موظّف السفارة السودانية لدى بريطانيا نجم الدين بعد معاناة من مرض الفشل الكلوي. وقد احتلّ ذلك الإنسان مكاناً علياً في نفس كل من عرفه وتعامل معه، من السودانيين وغيرهم، وترك برحيله المُبكّر جُرحاً غائراً بالقلوب. وتصادف أن التقى الأستاذ د. عبد الكريم الكابلي والسفير الأريب والشاعر الفذ سيد أحمد الحردلو في تلك الأيام الحزينة بمدينة لندن. والحُزن يعتصرُ أسىً ويعربدُ وجداً بالأفئدة على فِراق “نجم الدين” وصبر زوجته “زينب” الأصيل لا يزيدُ إلا من وجدِ المحزونين، وفي بيت السودان، ارتجل الحردلو بيتاً وردّ عليه الكابلي بآخر، واستمرا على ذلك المنوال حتى اكتملت قصيدة صادقة وطيبة ترثي الفقيد “نجم الدين” وتشحذُ همة الزوجة “زينب” على الصبر وإلهام المُعزيّن على احتمال الفراق القاسي. وبعد ذلك كساها الأستاذ الكابلي من عبقريته لحناً يملأُ الأسماع، بل الحواس، دهشةً مُحببة، وتغنّى بها في بعض أوساط السوداننين وقتها. إلا أنها وللأسف الشديد لم تُوثّق غناءً أو شِعراً!.

داير في يوم أكتب، أكتب لي غِنيوّة
عن أحلى معنى جميل ساطع يضوي الليل
عن واحدة في الإخلاص
ووحيد في درب الناس
أدّو الأمل إحساس
خلو الحياة حليوة
داير أقول فيهم أجمل كلام مكتوب
وداير أقول ليها عاش ليك زول حبوب
فات في الصبر أيوب
لكنو عاش لينا ما أصلو متعدد
ما أصلو متجدد.. زي الأمل فينا
داير في يوم أكتب أكتب لي غِنيوّة
غِنيوّة في اتنين مليانة ريد وفرح
زي العديل والزين.. مقطع يقول زينب والتاني نجم الدين..