ميرغني حسن علي .. الأب الشرعي للتحقيق الصحفي في الصحافة السودانية

شخصيات ضد النسيان
++++++
ميرغني حسن علي .. الأب الشرعي للتحقيق الصحفي في الصحافة السودانية
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
حين يكتب تاريخ الصحافة السودانية شخصياتها ورموزها حتمًا سيكون لميرغني حسن علي وافر نصيب من تلك الصفحات. وحين يذكر فن التحقيق الصحفي سيكون في صدارته شخصه غير القابل للنسيان.
+ البدايات نحو النبوغ:
بالموردة بأمدرمان وفي العام 1933 ولد الصحافي الموهوب ميرغني حسن علي لأسرة عرفت العلم بشقيه الديني والدنيوي، فأهله أصحاب علم راسخ في علوم الفقه والعبادات والعلوم القرآنية من تجويد وقراءات وحفظًا له، كما أن من أهل والدته أوائل المعلمين وموظفي الخدمة المدنية. وساهم ذلك في ولوجه المدارس النظامية على قلتها في بداية الأربعينيات، فكانت الموردة الأولية التي اجتازها نحو أمدرمان الأهلية الوسطى التي بدأت فيها أولى مراحل تطور شخصيته بواسطة الأساتذة الأجلاء الذين تلقى الدرس على أياديهم، فكان الأستاذ حسن الطاهر زروق الذي كان حينها سكرتير الجبهة المعادية للاستعمار (الحزب الشيوعي فيما بعد)، والأستاذ بشير محمد سعيد الذي ترك التعليم ليؤسس صحيفة الأيام، والأستاذ أحمد عبد الله سامي
حين وصوله السنة الرابعة من المرحلة الوسطى، وهو في عمر الستة عشر عامًا إنتمى للحزب الشيوعي السوداني برفقة صديق عمره الأستاذ الصحفي عبد الله عبيد.
+ فصله من الدراسة:
بمدرسة المؤتمر الثانوية وفي أول دفعة تجلس لإمتحان الشهادة الثانوية في العام 1953 كانت أولى حالات اعلان الجبهة المعادية للإستعمار لمعارضتها الاستعمار البريطاني والتي قابلتها السلطات الاستثمارية بالاعتقالات وقمعها ليتم اعتقاله وفصله من الدراسة. وشكل العام 1955 الانفتاح لتعيين عدد من خريجي المدارس الوسطى والثانوية في وظائف كتابية وهو ما كان له من تأهله لذلك، فعمل في وزارة الزراعة التي بقي فيها حتي العام 1959 حيث استقال من العمل الحكومي ليتفرغ للعمل الحزبي بالحزب الشيوعي السوداني.
+ تجربة التفرغ للعمل الحزبي:
بعد وصول عبود للسلطة في نوفمبر من العام 1958 تم اعتقال عدد من قيادات الحزب الشيوعي علي رأسهم عبد الرحمن الوسيلة وعز الدين علي عامر وعبد الخالق محجوب والحاج عبد الرحمن ، ليأتي الصف الثاني من القيادات التي عملت في كتابة شعارات الحائط وتنظيم الاحتجاجات الجماهيرية ليتم اعتقاله الاعتقال الأول في نوفمبر 1959 لمدة سبعة أشهر بسجن كوبر وحين خروجه من المعتقل تم تكليفه بقيادة فرع الحزب في منطقة بانت غرب وشرق.
+ العمل كصحفي:
بعد فصله من الدراسة من مدرسة المؤتمر الثانوية عمل كمحرر أخبار بصحيفة الصراحة بتوصية من الأستاذ حسن الطاهر زروق فظل صحافيًا حتى وفاته وهو ما أهله ليصبح أحد أشهر كتاب البيانات الحزبية في تاريخ السودان. وفي صحيفة السودان الجديد كان الإنطلاق نحو التحقيقات الصحفية التي لم تكن معلومة كفن من فنون الصحافة أنذاك. ويتذكر المرحوم ميرغني ذلك ويقول لي في صيف العام 2012 في منزله ببانت شرق أنه وفي مارس من العام 1959 استفزه مشهد الخضروات والفواكه وهي على الأرض جوار مصارف المياه والمياه الآسنة من مخلفات مركبات البلدية (المحلية) فكتب مقالًا مطولًا من صفحة بصحيفة السودان الجديد فكانت التجربة ذات متابعة واستحسان من إدارة الصحيفة والقراء. شجعه ذلك ليكتب التحقيق الثاني في حياته الصحفية وفي تاريخ الصحافة السودانية بصورة مكتملة من إفادات المسؤولين والمواطنين، وذلك حول اختفاء الإضاءة من أعمدة الإنارة في الشوارع الرئيسية.
+ الإبداع في جانب آخر:
اهتم المرحوم ميرغني حسن علي بالشخصيات السودانية فكان مغرمًا للحد الأقصى بتتبع حياتها وتفاصيل سيرتها، وهو ما جعله ينتج خمسة كتب حولها وهي 1/ شخصيات من الموردة 2/ شخصيات من ذاكرة الاستقلال 3/ شخصيات من امدرمان 4/ شخصيات عامة من السودان وهو كتاب مخطوط لم يطبع 5/ شخصيات من الموردة طبعة حديثة في العام 2007م.
+ تنقله في عدد من الصحف:
منذ فصله من الدراسة في العام 1953 وحتى وفاته في اغسطس من العام 2022 عمل بعدد من الصحف والمجلات والاصدارات، فكانت السودان الجديد والرأي العام والميدان والضياء والصحافة التي ظل بها منذ العام 1970 وحتي 1988 والخرطوم في النسختين الأولى في العام 1988 والثانية حين عودتها من القاهرة في فبراير 2001 والرأي العام منذ 1998 وحتي 2001 وفترات بكل من أخبار اليوم والسوداني الدولية.
+ مشاركته في انقسام الحزب الشيوعي في 1970م:
حين اشتد الخلاف بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في العام 1970 بالمشاركة في مؤسسات حكومة مايو وعدم المشاركة إنضم ميرغني لجماعة الإنقسام التي شاركت مع مايو فكان تركه الحزب إلى غير رجعة. ميرغني أبدع في كتابة السير الذاتية بخلاف تخصصه في كتابة التحقيقات الصحفية. وتخصص بصورة واضحة في كتابة السير الذاتية للكتاب والفنانين والشعراء والشخصيات العامة بأسلوب سلس التناول والبساطة وهو في هذا كان له فضل تعريف الشعب السوداني بشخصيات كاد أن يطويها النسيان لولا تسليطه الضوء عليها ومن تلك الشخصيات خلف الله خالد أول وزير دفاع سوداني ود أبو عكر رئيس لجنة السودنة وإبراهيم سوميت المعلم الأشهر في تاريخ منطقتي الموردة وبانت والصاغ محمود أبوبكر. وتعتبر السيرة الذاتية التي كتبها عنه هي المرجع الذي اعتمد عليه الكثيرين للكتابة عنه. حقًا ما أعظمك الأستاذ ميرغني حسن علي الذي رحل في صمت العظماء والذين ستظل سيرتهم باقية في نفوس أجيال من الصحفيين عرفوه وعرفوا قدره العظيم عظمة نفسه وقلمه.