السودان وبريطانيا .. الحرب تشعل الخلافات

انعدام الثقة وتضاد المواقف باعد بين الدولتين

 

السودان وبريطانيا .. الحرب تشعل الخلافات

خبير: توقعات بعودة العلاقات بين الخرطوم ولندن بعد الحرب

أمدرمان: الهضيبي يس
يزور هذه الأيام وفد بريطاني مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية في السودان، لبحث تطورات الأوضاع السياسية والإنسانية بالبلاد، حيث من المتوقع أن ينخرط الوفد في عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين السودانيين، وتسعى بريطانيا الى تقريب وجهات النظر مابينها والسودان عقب مواقفها الأخيرة اتجاة الحكومة السودانية، ووصف “السودانيين” مواقف المملكة المتحدة بالمخيبة للآمال والتطلعات مقارنة مع ما يربط الدولتين من تاريخ طويل للعلاقات السياسية، والاجتماعية. ولكن نقطة “الحرب” – الأخيرة كانت بمثابه محطة فارقة ناحية بريطانيا وسياستها التي تعتبر ضد توجهات السودان حكومة وشعبًا.

+ مؤتمر دولي:

أعلنت بريطانيا عزمها تنشيط الجهود الدولية بالدعوة إلى مؤتمر دولي لتحقيق إلتزام جديد بدعم عملية سياسية لإنهاء الصراع بالسودان، فكيف ينظر المتخصصون والمراقبون إلى الدور البريطاني تجاه حرب السودان، بخاصة بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، كونها الحاكم الاستعماري السابق للسودان، وحامل قلمه الحالي في الأمم المتحدة، والمسؤولة عن صياغة قرارات وقيادة المفاوضات في مجلس الأمن الدولي. وقبل اسابيع دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى تحرك دولي عاجل لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، مشدداً على أن السودان يجب ألا ينسى. وعبر لامي عن عزم حكومته تنظيم اجتماع دولي على مستوى وزراء الخارجية بهدف حشد الدعم وتحقيق إلتزام دولي جديد لدعم عملية سياسية تنهي الصراع الدامي في السودان، وضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضرراً.
وطالب الوزير البريطاني، خلال زيارة إلى مدينة أدري ومعسكرات اللاجئين السودانيين على الحدود التشادية – السودانية، المجتمع الدولي بعدم نسيان الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان التي لا يمكن تجاهلها.
وأعلن لامي عزم حكومته تقديم 20 مليون جنيه استرليني (25 مليون دولار ) إضافية لدعم اللاجئين الفارين من الحرب في السودان، تشمل هذه المساعدات تعزيز إنتاج الغذاء وتحسين المأوى ومياه الشرب والرعاية الصحية والتعليم، وذلك ضمن خطة أوسع أعلنت في نوفمبر الماضي، ضاعفت خلالها دعمها الإنساني للسودان إلى 226 مليون ونصف مليون جنيه استرليني (283 مليون دولار )، لتغطية توفير الغذاء لنحو 800 ألف نازح، أكثر من 88٪ منهم نساء وأطفال.

+ صاحبة القلم:

ووصف وزير الخارجية السوداني السابق إبراهيم طه أيوب تصريحات وزير الخارجية البريطاني إثر وقوفه على الوضع الانساني بمعسكرات تشاد وتأكيده الحاجة إلى حل عاجل يوقف الحرب المدمرة، بأنها “تتسق مع مسودة القرار الذي سبق وقدمته بريطانيا لمجلس الأمن الدولي وأيده جميع أعضاء المجلس لكن أفشله الفيتو الروسي”. وأعرب أيوب عن أمله في أن يجري “عقد المؤتمر الدولي الذي تدعو إليه بريطانيا لإنهاء الحرب في السودان عله يكون كفارة عن مواقفها السابقة التي اعتقد بعضهم أنها تقاعس من جانبها في السعي إلى مساعدة السودان منذ بداية الحرب، وهو ما فسره بعض المتابعين بأنه ناتج من ضعف حكومة حزب المحافظين السابقة وانكماش دورها الخارجي كنتيجة طبيعية للانقسامات داخلها”. وأشار وزير الخارجية السابق إلى أن “المؤتمر المرتقب من شأنه أن يمارس مزيداً من الضغوط على القوى المسلحة التي تعمل على استمرار الاقتتال وتعرض أرواح المواطنين لأخطار القتل والمجاعة”، وتابع أن “وضع بريطانيا كصاحبة القلم على مستوى مجلس الأمن الدولي يضعها في الواجهة الدولية للدفاع عن مصالح السودان وشرح التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية فيه، وذلك مؤشر آخر على الأهمية التي تتمتع بها بريطانيا في الشأن السوداني دون غيرها من الدول”.
ويعتقد أيوب أن “بريطانيا وعلى رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي لكنها لا تزال تحتفظ بثقلها السياسي وسط القوى العالمية، وبخاصة لدى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، فضلاً عن علاقاتها الوطيدة مع الدول الخليجية، مما يرشحها لأن تكون عاملاً أساسياً في استقرار السودان في فترة ما بعد الحرب، ليس من باب استدامة السلام والاستقرار فحسب، بل أيضاً من حيث متطلبات إعادة تعمير ما دمرته الحرب في المجالات كافة”. وزاد “تتمتع بريطانيا دون غيرها من دول العالم بعلاقات تاريخية وثقافية وحضارية واقتصادية مع السودان تضعها في المرتبة الأولى بين تلك الدول، فضلاً عن أن الشعب السوداني ينظر إلى تلك العلاقات بكثير من الود والاحترام والتقدير، بخلاف نظرة بقية شعوب القارة الأفريقية التي تناصب القوى الاستعمارية السابقة العداء المستحكم كما هو واضح في دول الساحل الأفريقي على سبيل المثال”. ويختتم وزير الخارجية السابق حديثه بالإشارة إلى “الثقة الهائلة التي تتمتع بها بريطانيا وسط القوى السياسية على الساحة السودانية، على مستوى الأحزاب وقوى المجتمع المدني باليسار واليمين، يقابل ذلك وجود قوى سياسية وأكاديمية واجتماعية عدة داخل المملكة المتحدة تبدي اهتماماً ومتابعة لصيقة بما يحدث في السودان، نتيجة صلات ربطت بعض الشخصيات البريطانية بالسودان أو من خلال عملها إبان الفترة الاستعمارية السابقة أو من كانوا امتداداً لها”.

+ اهتمام أكبر:

من ناحيته يرى السفير الصادق المقلي أنه “على رغم تزامن الحرب في السودان مع تطورات خطرة في أوروبا والعالم، قللت من اهتمام دول المعسكر الغربي بالحرب في السودان، مثل تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، وحرب غزة، والاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية ولبنان، وإعاقة الحوثيين الملاحة البحرية الدولية، لكن وبحكم الارتباط التاريخي بين البلدين ظلت الجهود البريطانية الهادفة إلى وضع حد للكارثة الإنسانية المتفاقمة في السودان، متواصلة من دون توقف”. ولا يستبعد المقلي أن “تشهد الفترة القليلة المقبلة تنسيقاً بين بريطانيا والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب الجديدة لتضافر جهود الدولتين لإنهاء الحرب والمأساة الإنسانية في السودان”، مشيراً إلى أن “زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى معسكرات اللجوء في تشاد ودعوته إلى تحرك دولي عاجل لمواجهة الأزمة السودانية، تأتي في إطار اهتمام بريطاني أكبر بالقضية السودانية.

+ تعديل المواقف:

بالمقابل يقول الكاتب الصحفي النور احمد النور أنه خلال العامين الماضيين مواقف لم تكن من خلالها هناك أي مراعاه لطبيعة مايجمع الدولتين من علائق تاريخية وسياسية، إنما ذهبت “بريطانيا” للبحث عن مصالحها وفقًا لمقتضيات علاقات مع دول تقف في الطرف النقيض للسودان وهو ما افقدها وقد يفقدها مستقبلا دولة مثل السودان. سيما وان “بريطانيا” كان يعول عليها السودانيين في الوقوف إلى جانبه جراء ماتعرض له من انتهاك ولكن اتخاذ موقف الحياد ومن ثم الدعوة للحد من تحركات الجيش اتجاة “التمرد” قد أثار غضب السودان ناحية بريطانيا والآن نحن نحتاج لتعديل تلك المواقف بصورة عملية كسب لما تبقي من سمه علاقة.