إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أيام كانت هناك شمس وقمر)

مع إسحق

إسحق أحمد فضل الله

(أيام كانت هناك شمس وقمر)

وكنا أغنياء
وكان عندنا الشباب والكتب برائحتها الشهية والسينما وسجائر بنسون آند هيدجز …
وفي السينما كان عندنا سيدتي الجميلة في كلوزيوم وصوت الموسيقى في غرب وإمرأتان فى النيل الأزرق وعلي المك يجمع المثقفين في نادي السينما. ويعرض السينما المثقفة (ولما سألوه يومًا عن العضوية قال ساخرًا: جاءنا كثيرون لما قلنا اننا سوف نعرض فيلم (وخلق الله المرأة)
والسبب هو أنه فيلم للعريانة الفرنسية ديك.
وسينما حقيقية. وكان من يصنع الروائع هذه هو مورافيا…/ أشهر كاتب/ وفيتوريو دي سيكا وفيلليني
وكان الجمهور .. حين يهطل عليه المطر وهو يشاهد فيلم صوت الموسيقى يصر على المشاهدة ومن شاهدوا الفيلم مرات. حين تبدأ الأغنية. يشرع في الغناء مع أورسولا اندروس
I love a deer. Afemale deer
And atropical sun
وإن المخرج رأى المشهد لطارت روحه بهجة
وكان هناك جانوار .. وديب ثاوث .. وشرخ فى المرايا. وجنكيز خان و … و
وكان الناس يقرأون …
يقرأون الصحف والكتب في المواصلات في الشارع في الحدائق. كان هذا عندهم.
وعندنا كنا نقرأ في كل زاوية
ولما تطلب صحيفة هناك من مورافيا أن يصنع لقاء مع كلوديا كاردينالي. أجمل مخلوق إيطالي عن كان الناس ينتظرون الحدث العالمي هذا…
وأيامها لما يجد الناس رئيس الوزراء مقتولًا فى عربة مهجورة كان الخبر فى الصحف أقل إثارة من لقاء أشهر كاتب مع أشهر ممثلة
كان هناك عالم الكتب. وعالم السينما. وعالم التجويد
…….
ويوم المقابلة كانت المرأة تقضي/ بالطبع/ ساعات أمام المرايا وتنتظر
ومورافيا القصير برأسه المكور يجلس فى صالونها. واللقاء الصحفى يبدأ…
ومورافيا يقول للممثلة
: والآن يا سيدة كاردينالي …. حدثينا عن … استدارة كتفيك..
المرأة ظنت أنها لم تسمع جيدًا. وعيونها الكبيرة ظلت تسأل مورافيا
ومورافيا يكرر السؤال. واضحًا
وصمت
ثم؟؟
ثم المرأة تشرع فى الضحك. ثم تهتز بالضحك. ثم تفتفت بالضحك … وقالوا أضطرت لتبديل ملابسها الداخلية
بعدها مورافيا يقول في دهشة
:: ….وماذا كانت تنتظر؟ هل كانت تنتظر مني أن أسألها عن السوق الأوروبية وحلف الناتو؟
ولو أنه سألها عن الناتو ما بقي المشهد حتى اليوم
كان هناك لقاء الجودة
الحياة .. الجيدة …. السينما الجيدة … الكتب الجيدة … الكورة الجيدة. وطه حمدتو. ومدير نادي الهلال المثقف يكتب عن ليلة اكتشاف جكسا
قال
هزائم الهلال أمام المريخ/ تسع مرات متوالية/ كانت تدمر النادي وكان لابد من حل
ويوما نلمح ولدًا فى ميدان النيل. يلعب وكأن الكرة تحبه … ويأمرها فتطيع … وتحت الليل الذي يغطي الجبال كنا نتسلل إلى بيت مثل الكرنك في طرف الخرطوم. ونطرق باب الزنك. والولد يخرج إلينا في جلباب كان واضحًا أنه لشخص أكبر حجمًا والبيت يستقبلنا في ارتباك. وعلى العنقريب الذى لا مرتبة فوقه نجلس .. و…
قال كيشو
: وخرجنا بجكسا
بعدها لم نهدأ حتى جعلنا المريخ يكرع تسع هزائم متواصلات…
والناس تعرف … جكسا
…….
كانت تلك أيام التجويد في كل شىء … كل شىء
لكن السحر يعيدنا إلى تجويد الروايات والشاشة التي تجعل عقلك يلهث
ونخرج من سينما غرب واورسون ويلز مثل الخمر يهز روحنا
و. في (شرخ في المرايا)
كان ويلز هو القاضي الذي يحاكم مجرمًا على جريمة من ارتكبها كان القاضي نفسه…
والسحر كان هو ان الحيثيات وأقوال الشهود والوقائع. أشياء كلها كانت تصف جريمة (أخرى) غير الجريمة موضوع المحاكمة..
المتفرج وحده هو الذي كان يرى الجريمتين معًا. ويرى التطابق … المذهل. والدقيق. بمنطق قوي تمامًا
الفيلم الفلسفي كان يقول ببراعة ان الجرائم كلها هي في النهاية. جريمة واحدة …
حتى تقديم الموضوعات الفلسفية المؤلمة كان شيئًا يقدم. ببراعة
و….آه يا أيام الشباب. أيام التجويد
أيام رائحة الحبر وأوراق الكتاب الذي خرج من المطبعة قبل يومين
وأيام رائحة التدخين والضحكات فى ظلام السينما.
وأيام كنا نحيا
……
هذه مقدمة. للحديث عن نوع من الحياة التي كانت في السودان