عبقري الكمان العالمي يحتفي بمحمدية

هذه الدنيا

++++++++

قصص ومواقف من عوالم مُختلفة

عبقري الكمان العالمي يحتفي بمحمدية

موقف طريف للملكة أليزابيث الثانية في القلعة الملكية بأسكوتلندا

++++++++

بقلم: أمين حسن عبد اللطيف

التواضع سمة العظماء. وكلما كان الشخصُ مشهوراً ونجماً زاد تواضعه ولين جانبه مع الناس، خاصةً إذا ما كان ذلك الشخصُ فناناً. واليوم نستعرض نموذجين كانا قمة في التواضع واللطف خلال المواقف التي حدثت معهما. والأنموذج الأول لملكة بريطانيا أليزابيث الثانية مع سياح استراليين. والثاني موقف لفنان الكمان العالمي يهودي منيوين، مع عازف الكمان السوداني الشهير محمد عبد الله محمدية. وإليكم التفاصيل.

++

+ محمدية في لندن:

حكى لي الأستاذ الموسيقار محمد عبد الله محمدية، عليه الرحمة، أنه زار العاصمة البريطانية لندن في ثمانينيات القرن الماضي ضمن بعثةٍ فنية، وأنه قرأ في إحدى المجلات بالفندق أن النجم العالمي، يهودي منيوين، عازف الكمان البريطاني والنجم العالمي سيُحي حفلاً بالأسبوع المقبل بمسرحٍ قريب من فندقهم. فما كان منه إلا وذهب إلى المسرح في اليوم التالي ووقف أمام شباك التذاكر ليشتري بطاقة دخولٍ للحفل. قال لي الأستاذ محمدية أن بائع التذاكر نظر إليه بتعجبٍ شديد وسأله إذا ما كان بكامل وعيه!. إذ أن تذاكر حفلات النجم منيوين تنفدُ قبل سنتين من قيام الحفل!. فلما لاحظ الرجل خيبة أمل الأستاذ محمدية عطف عليه وسأله عن أمره، فأخبره الأستاذ محمدية بأنه من المُعجبين جداً بالنجم العالمي وأنه، كعازف كمان مُحترف وموسيقي شرقي، يستلهمُ من أسلوبِ عزف الرجل الكثيرَ والمُثيرَ. ردَ عليه بائع التذاكر، مُخففاً عليه، بأن النجم عادةً ما يأتي إلى المسرح بُعيد منتصف الليل للتمرَن على الكمان وعادةً ما يستضيفُ طلاب الجامعات بكليات الموسيقى من السنة النهائية لحضور هذه التمارين، وأن سكرتيرة النجم الشهير هي زوجته وهي المسؤولة عن ترتيب الحضور. وطلبَ إليه الحضور يوم الغد، إذ أنه سيُخبر زوجة النجم عن أمر الأستاذ محمدية. بات الأستاذ محمدية ليلته تلك مُحرجاً ومُحبطا لجهله بسمو مكانة النجم وشعبيته المهولة! وضياع فُرصة حضور مثل ذلك الحفل النادر.. في مساء اليوم التالي ذهب الأستاذ محمدية إلى المسرح وهو لا يعلمُ ما ينتظره!. استقبله بائع التذاكر بابتسامة عريضة وأخبره بأن هناك أخباراً طيبة، إذ أن زوجة النجم لم تُمانع. وبالفعل، قابلته المرأة وأدخلته إلى غُرفةٍ جانبية بالمسرح وأجلسته قائلةً بأن النجم سيقابله بُعيدَ دقائق. وبالفعل، أطلَ الرجل بابتسامة عريضة ويده ممدودة بالسلام على صاحبنا المذهول من فرط المفاجأة. ويقول الأستاذ محمدية أن النجم العالمي منيوين استفسر منه عن موسيقانا ونوعها وطريقة العزف، وكل تلكم المعلومات التقني – فنية التي يعرفها الرجلان جيداً، وبعدها اصطحبه إلى قاعة المسرح وأجلسه بجانب الطلبة الحضور، وبدأ الرجل الكبير في العزف متمرناً. وأسرَ لي الأستاذ محمدية بأنه لم يخطر بعقله من قبل أن آلة الكمان التي خال أنه يعرفها جيداً، من الممكن أن تُعزف كما عزفها النجم العالمي يهودي منيوين، وأن تلك الأمسية كانت من أمتعُ الأوقات في حياته، رحمه الله.. إلا أنه وعندما انتهت الأمسيةَ وودع النجم العالمي أستاذنا المحبوب، وشكر الأستاذ محمدية النجم العالمي على هذه السانحة الكريمة منه وعبَر له عن فخره بلقائه، أجابه النجم الكبير وبكل صدقٍ إنما الفخرُ والفرحةَ تعودان إليه، لكونه مشهوراً ومُقدراً جداً ببلدٍ لا يعلمُ عنها شيئاً إلا اسمُها!. وهكذا يسمو المشاهير بصدق أحاسيسهم وتقديرهم لمشاعر الغير.

+ بين هيبة المُلك وخِفة الروح:

اعتادت الملكة أليزابيث الثانية قضاء فترة الصيف بالقلعة الملكية الشهيرة (بالمورال) بأسكوتلندا. وتشتهرُ القلعة العتيدة بموقعها وسط غابة كثيفة. وكانت الملكة كثيراً ما تخرجُ في جولات مشيٍ طويلة بتلكم الغابة ومعها مُساعدها الشخصي وأحد كلابها كعادتها، إذ أنها تروَح عن نفسها كثيراً بالمشي وسط الخًضرة عندما يكونُ الجو صحواً، ونادرَ ما يكونُ!. وفي ذلك اليوم وهما يمشيان بالغابة صادفا اثنين من السياح الأستراليين، فتوجس مساعد الملكة قلقاً، ولكنها هدأت من روعه وطلبت إليه أن يلتزم الهدوء وهُما يمُران قرب السائحيْن. وعندها حياهما السائحان سأل أحدهما المُساعد بأنه سمعَ أن الملكة كثيراً ما تمشي بهذه الغابة، فهل سبق له أن التقاها؟. وتنفس المُساعدُ الصُعداء إذ تأكد بأنهما لم يتعرفا على جلالة الملكة. وقبل أن يُجيبهما المُساعد، طغى جانب الفُكاهةِ علي الملكة فقالت لهما أنه، أي المساعد، أخبرها بأنه التقاها عُدة مراتٍ!. فشهقُ أحدُ السائحيْن دهشةً وبدأ بإلقاء الأسئلةَ عليه.. أهي لطيفة؟ وهل تُكثرُ من الكلام أم أن ردودها مُقتضبةٌ كعادة أهل المُلك؟ وهل تبتسمُ إذا ما ألقيت عليها التحية؟ و… و.. كما يقتضي الفضولُ. وكان المُساعدُ يجيبُ بحذرٍ شديد وهو ينظرُ إليها!، وكم كانت هي مُستمتعةً باللحظة النادرة!. وبعد ذلك أخرجَ أحدهما كاميرا من حقيبته وطلب إلى الملكة التقاط صورةٍ لهما مع المُساعد، إذ أن أصدقائهما في تلك البلاد البعيدة لن يصدقوهما عندما يحكيان لهم بأنهما قابلا الرجل الذي التقى بملكة بريطانيا العُظمى!. وعندما همَا بالذهابِ قال أحدهما للآخر: اطلب إلى الرجل أن يلتقط لنا صورةً مع هذه السيدة للتأكيد على صحة قصتنا أمام أصدقائنا في أستراليا!. والتقط المُساعد لهما صورةً مع الملكة، فشكراهُ وودعاهما وذهبا.. وعندها التفتت الملكة إلى المُساعد وقالت له: كم أتمنى أن أحضرَ لحظة لقائهما بالأصدقاء وسردهما للقصة وعرض الصور عليهم!.