السودان وتشاد .. علاقات معقدة

مابين قاعدة أم جرس والبحث عن منفذ بحري

السودان وتشاد .. علاقات معقدة

خبير: هشاشة العلاقات بين الخرطوم وإنجمينا تعود إلى انعدام الوصفة الاستراتيجية

++++++

أمدرمان: الهضيبي يس

تناقلت وسائل اعلام محلية ودولية خبر زيارة وفد عسكري دبلوماسي تشادي إلى العاصمة الإدارية بمدينة بورتسودان، في محاولة لإصلاح ما أفسده الدهر على مستوى العلاقات بين الدولتين خاصة مابعد اندلاع حرب 15 من شهر أبريل لعام 2023 حيث يتهم “السودان” – تشاد في لعب دور بإستطاله أجل الحرب بالبلاد وتسخير مواردها لصالح توفير الدعم اللوجستي للمليشيا المسلحة عبر قاعدة “ام جرس “الحدودية مما شكل مهددًا على الأمن القومي السوداني. ورغم نفي بعض الجهات لخبر الزيارة إلا أنها فتحت آفاقًا جديدة للبحث عن مسارات تعيد تجسير العلاقة وتقطع الطريق أمام المليشيات المتمردة وداعميها.

+ علاقات معقدة:

وتعد العلاقات السودانية – التشادية نموذجًا معقّدًا لجوار أفريقي تتشابك فيه المصالح السياسية، والاجتماعية، والأمنية على نحو يندر مثيله في القارة. ومع تمدّد الصراع المسلح في السودان، وتأثيراته العابرة للحدود، تكتسب قراءة، وتحليل هذه العلاقة أهمية خاصة، إذ إنّ استشراف مستقبلها يتطلّب فهمًا شاملًا لتداخلاتها المتشابكة، وإمكانية إعادة صياغتها على أسس شراكة إستراتيجية تُوازن بين المصالح المشتركة، والتحديات الأمنية. ويشترك السودان، وتشاد في ظروف جيوسياسية، وطبيعية متقاربة، ويجمعهما تداخل اجتماعي معقّد يبرز في وجود 13 قبيلة مشتركة على جانبي الحدود الممتدة لنحو 1403 كيلومترات، وهي الأطول بعد حدود السودان مع جنوب السودان. بيد أن ما يميز هذه الحدود أنها سهلية بلا عوائق طبيعية تُذكر، لكنها كانت شاهدا على تاريخ مضطرب منذ استقلال تشاد في ستينيات القرن الماضي، وما قبله استقلال السودان.

+ تأثير مزدوج:

خلال هذا التاريخ، شكّلت الجوارية، والتداخل عاملًا مزدوج التأثير: من جهة قرب اجتماعي، واقتصادي، ومن جهة أخرى بيئة خصبة لنقل الصراعات. فقد زاد تدفّق السلاح من تشاد إلى السودان خلال الاضطرابات العديدة التي أمسكت بتلابيب تشاد من حدة النزاعات التقليدية في دارفور على الكلأ والمراعي، مما أدّى إلى تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي هناك. لقد جسّدت أزمة دارفور، التي تصدّرت الإعلام الدولي منذ عام 2003، أبرز مظاهر هذا التداخل المتجذّر في واقع البلدين.

+ ارتفاع حدة التوتر:

ويشير الكاتب الصحفي ياسر محجوب إلى أن حدّة التوتر ارتفعت بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق. فالسودان، الذي يواجه تصعيدًا خطيرًا على جبهاته الداخلية، تقدّم بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، والشعوب، مدعومة بأدلة وثائقية ومقاطع مصورة، تتهم تشاد بدعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، بما في ذلك نقل أسلحة وذخائر. ونفت تشاد تلك الاتهامات، مؤكدة عدم تورطها في تأجيج الصراع السوداني. ورغم قتامة المشهد، لا تزال هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقات على أسس أكثر توازنًا، وشفافية. ويضيف ياسر كذلك شكلت الهجرات القبلية العربية من الشمال، والشرق امتدادًا طبيعيًا للبدوية العربية في بيئة السودان، وتشاد الصحراوية. وأسهمت الروابط الثقافية، والاجتماعية في تعزيز علاقات الجوار. إلا أن هذه العوامل نفسها كانت سببًا في تصاعد النزاعات عند تحوّل القضايا المحلية إلى مشكلات إقليمية، ولم تسلم دارفور من التدخلات التشادية، حيث دعمت نجامينا حركات التمرد السودانية، مثلما دعم السودان بدوره حركات المعارضة التشادية، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار شبه المستدام. وأكد ياسر أن الأزمة الراهنة في السودان، التي اندلعت بين الجيش السوداني، ومليشيا الدعم السريع، زادت من تعقيد العلاقة بين البلدين، حيث أصبحت الحدود مسرحًا للتوترات الأمنية، والاجتماعية. كما تدفق اللاجئون السودانيون إلى تشاد، حيث تستضيف تشاد أكثر من مليون شخص من النازحين قسرًا، وبلغ عدد اللاجئين السودانيين حاليًا 1.1 مليون شخص، بينهم 700 ألف لاجئ فروا منذ بداية الحرب في أبريل من العام الماضي و400 ألف شخص كانوا لاجئين في تشاد قبل ذلك مايعني أن الأزمة مؤخرا بين الدولتين قد ولدت قضايا تحتاج لعلاج والوقوف عليها

+ تصاعد النشاط العسكري:

ويوضح المحلل السياسي عمار العركي بأن تشاد واحدة من أكبر عمليات مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين في المنطقة. وبدعم من وكالات الأمم المتحدة الأخرى و40 منظمة غير حكومية، تقود المفوضية وتنسق جهود الاستجابة الخاصة باللاجئين دعمًا لحكومة تشاد. فيما ساهم وجود حركات مسلحة على جانبي الحدود في تصاعد النشاط العسكري العابر، مما أثار مخاوف حقيقية من تهديد الأمن القومي التشادي. سيما وأن هذا الوضع كان معكوسًا في العام 2007، إذ قامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بنقل مئات اللاجئين التشاديين إلى داخل الأراضي السودانية بناء على طلبات اللاجئين أنفسهم، بسبب انعدام الأمن على الحدود بين السودان، وتشاد، برغم وجود اتفاق أمني مشترك منذ عام 2010، فإن الأحداث الأخيرة أظهرت توترًا متصاعدًا. ويزيد من تعقيد المشهد كثيرًا أن بعض زعماء المعارضة التشادية، الذين تدربوا تحت إشراف مليشيا الدعم السريع، ومجموعة فاغنر الروسية، أعلنوا عن نيتهم استغلال الحرب السودانية للتحرك نحو إسقاط النظام التشادي. لافتًا إلى أن هذا الارتباط الوثيق بين الأوضاع الأمنية والسياسية في البلدين، يعكس مدى هشاشة الحدود المشتركة، التي كانت دائمًا مصدرًا للتوتر والتداخل. ولذا فإن ارتباط طرف بالمحاور الإقليمية أو الدولية على حساب إستراتيجية حسن الجوار يبقى عاملًا سلبيًا، ومهددًا خطيرًا للأمن القومي مهما تبدى من مصالح وقتية نتيجة لهذا الارتباط الآثم. كذلك على مر التاريخ، ظلت العلاقة بين الخرطوم ونجامينا مثقلة بالخلافات الناتجة عن الأنظمة السياسية المتعاقبة، والإرث الاستعماري الثقيل الذي عرقل جهود الإصلاح. الاستعمار، بما تركه من انقسامات وأزمات حدودية، لعب دورًا رئيسًا في تأجيج الصراعات، وإضعاف الروابط الثقافية والاقتصادية. رغم ذلك، شهدت العلاقة محاولات للتعاون، مثل توقيع اتفاقيات أمنية، ومبادرات مشتركة، إلا أن تلك الجهود غالبًا ما كانت مؤقتة، تخضع لتقلبات السياسة الإقليمية. بينما اليوم على مايبدو الأزمة السودانية فرصة جديدة لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين على أسس الشراكة الأمنية، والتنموية. التعاون الأمني لضبط الحدود ومنع تصاعد النزاعات العابرة قد يكون الخطوة الأولى نحو استقرار المنطقة، وهو ما يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واعترافًا بأن استقرار أحد البلدين هو شرط لاستقرار الآخر. خاصة وان عددًا من الحواضن الاجتماعية، والمكونات القبلية تعتبر نسخة مكررة في كلا البلدين؛ فما أحدثته الحرب في السودان. من شروخ اجتماعية هو أمر بالضرورة يظهر في الجانب التشادي من الحدود، والسماح بتفاقم هذا الإشكال يعني تقليل ظل الدولة في كلا البلدين، وبالتالي من مصلحة البلدين أن يتعاونا في إنها الإشكال، ولا سبيل لذلك إلا بالجهود المشتركة.