
كمال عوض يكتب: السودان بعيون عربية
قضايا وآراء
كمال عوض
السودان بعيون عربية
+ نظر إليَّ ضابط الجوازات كثيراً في مطار رفيق الحريري الدولي بالعاصمة اللبنانية بيروت وهو يقرأ البيانات، وقال بدهشة: هل قضيت معنا ليلة واحدة فقط؟. قلت: نعم. قال: لماذا؟. قلت: ظروف العمل تفرض عليَّ المغادرة. جئت في مهمة وأنجزتها.
+ قال: هل أنت من جنوب السودان أم الشمال (يقصد دولة الجنوب)؟. قلت: من الشمال. قال: وكيف هو الوضع في الجنوب؟. قلت له: منفجر بشدة وامتدت تأثيراته إلينا، عبر هجرات نزوح متواصلة ومرتزقة.
+ قال: هل من حلول في الأفق شمالًا وجنوبًا؟ قلت: نحن على أعتاب النصر، ولكن الأوضاع متوترة في جنوب السودان ويمكن أن تندلع الإشتباكات في أية لحظة بجوبا. قال: وما هي طبيعة الصراع؟. قلت: قبلي زادته أطماع النفط والثروات ومخابرات بعض الدول اشتعالاً. قال: هل يتحرك الموساد في الجنوب؟. قلت: نعم تتحرك دولة الكيان الصهيوني بمخابراتها وجيشها في المنطقة منذ أزمان بعيدة، وهم من أوائل الذين أرسلوا سفراءهم بعد الانفصال. قال: هل حقيقة أن الصراع بين الرئيس ونائبه؟. قلت: نعم. قال: هل يمكن أن يعود السودان موحداً؟. قلت: هي دعوات من هنا وهناك. ولكن الغالبية العظمى لا تؤيد ذلك.
+ أثار الضابط استغرابي لاهتمامه الكبير بما يدور في السودان ودولة جنوب السودان. لأنه وفي معظم زياراتنا لكثير من الدول لا نجدهم يعلمون عنا إلا القليل مما يبثه الإعلام الغربي الموجه عن حرب السودان وإقليم دارفور.
+ حاول الضابط مواصلة الحوار، ولكن همهمات المسافرين، نبهته إلى أن هذا المسافر أخذت إجراءاته أكثر من اللازم.
+ ابتسامة غامضة:
+ اجتهدت فوق طاقتي وأنا أحشد كل مخزوني من مفردات اللغة الانجليزية لأخاطب إمرأة على أعتاب الستين، جلست بجواري داخل طائرة الخطوط الإثيوبية. قدرت أنها من إحدى الدول الأوروبية، فصرت أحدثها عن التطرف والإرهاب والتفجيرات في ألمانيا وفرنسا ومشكلات اللاجئين التي كانت من أهم أسباب خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي، وكانت المرأة ترد وتبتسم.
+ لم أنتبه للغتها وطريقة نطقها، ولكن ابتسامتها الغامضة أثارت تساؤلاتي. قلت يبدو أن لغتي بها بعض الاشكالات فسألتها مباشرة: هل تجدين صعوبة في فهمي؟ فأجابت بالنفي وظلت ابتسامتها كما هي.
+ انشغلت عنها بكتاب لفترة طويلة حتى اقتربت نهاية الرحلة. عندها نبهت المضيفة لملء استمارات الجوازات وكانت باللغتين الإنجليزية والعربية معنونة بـ (هذه الاستمارة يملأها اللبنانيون والعرب).
+ ملأتني الدهشة والمرأة تخاطبني بلغة عربية محلاة بلكنة شامية محببة: (لو سمحت ممكن تملأ معي استمارتي؟)، قلت لها لماذا كبدتيني مشاق الحديث بلغة لا نحبها؟، قالت: أنا سورية لاجئة في البرازيل ولم أكشف هويتي حتى لا أثير شفقتك، خاصة وأن ظروفنا متشابهة بسبب الحرب والنزوح واللجوء.
+ عادت السورية من البرازيل لتلتقي بمن تبقى من أسرتها بعد سنوات من الضياع. وقريبًا سيعود أهل السودان إلى الخرطوم، حيث مقرن النيلين، والأمن والأمان والأخوة الصادقة في ربوع الوطن الحبيب.