كمال عوض يكتب: صحافة الزمن الجميل

قضايا وآراء

كمال عوض

صحافة الزمن الجميل

+ قمة المتعة كانت عندما أغوص في أوراق وأرفف دار الوثائق القومية وأنقب عن الدرر والكنوز التي شكلت العهد الذهبي للصحافة السودانية، وأستمتع بكتابات الأساتذة الأجلاء الذين تتلمذ على يديهم معظم الصحفيين القدامى، وواصلوا المسيرة وحافظوا على المهنة وجاذبيتها وإنضباطها، حتى بعد أن دهمتها تطورات العصر وتسلق جدرانها بعض المتطفلين.
+ كانت الصحافة في ذاك الزمان (طاعمة) ومقروءة تسود صفحاتها رؤى وأفكار لقامات سامقة ظلوا ملء السمع والبصر حتى يومنا هذا.
+ غصت بالذاكرة في تلك الأيام، وأنا أقرأ في الأرشيف مساجلات غاية في الروعة والأدب الرفيع دون الجنوح للإساءات، في مجال السياسة والفن والرياضة.
+ من أشهر المعارك الأدبية التي دارت في النصف الأول من الخمسينيات بين الأستاذ محمد محمد علي والدكتور محمد النويهي حول الأدب الحديث. ومعركة أخرى نشبت بين د. مصطفى عوض الكريم صاحب ديوان (السفير) الذي كان مهتماً بالأدب الأندلسي، وكتب نقداً لديوان (أصداء النيل) للدكتور عبد الله الطيب، فتصدى له الشاعر المعروف محمد المهدي المجذوب، ودارت بينهما مساجلات قلمية كان مسرحها صحيفة (الرأي العام).
+ وفي السبعينيات استمتع أهل السودان بكتابات مبهرة للشاعر أبو آمنة حامد وطه حسين الكد، أشعل فتيلها د. عبد الله الطيب عندما سئل عن بعض الأدباء فقال: (هناك بعض منهم لا أعرفه والبعض الآخر لا أعرف عنه كثير شيء). وكان أبو آمنة أحد الذين لا يعرف عنهم البروف شيئاً.
+ غضب شاعر (بنحب من بلدنا) وكتب مقالاً لاذعاً، رد عليه طه الكد بأن البروف لن يرد عليه وسيكتفي برده هذا، لكن أبو آمنة أراد أن تكون المعركة مع الفيل وليس مع ظله.
+ حوار آخر دار بين صلاح أحمد إبراهيم والنور عثمان أبكر حول إفريقانية وعروبة السودان، أنتج مدرسة الغابة والصحراء، التي انضمت إليها مجموعة من الأدباء، كان أبرزهم الأستاذ محمد المكي إبراهيم.
+ صلاح خاض أيضاً معركة سياسية مع الأستاذ عمر مصطفى المكي بعد خروجه من الحزب الشيوعي، مازال صداها يتردد وتعاد مفرداتها كلما أتت السيرة.
+ المعارك الفنية والرياضية لم تكن أقل حمية من الأدبية، وكان للأستاذ حسين عثمان منصور صاحب مجلة (الصباح الجديد) قصب السبق في هذا المجال، عندما نشر تصريحات للشاعر الكبير الأستاذ إسماعيل حسن عن الفنان محمد وردي من جهة، وأخرى لبازرعة وود الرضي، إلى أن تدخل اللواء طلعت فريد وأصلح بينهم.
+ مداعبات لطيفة بين كتاب المريخ والهلال صيغت بلغة غاية في الروعة، أسهمت في تطور الرياضة وزادت التنافس الشريف بين فريقي القمة لتصير أنموذجاً للكتابات الهادفة في هذا المجال.
+ رد الله غربة الوطن الجريح ورحم الله من رحل عن دنيانا الفانية، ونسأله سبحانه وتعالى الصحة والعافية لمن بقي، وآخر دعوانا لدار الوثائق القومية التي طالتها السرقة والتخريب في أكبر عملية استهداف لذاكرة وطن يقف شامخًا رغم الحروب والأزمات.