حميدتي من الركن إلى حزمة تفانين .. حكاية تصلح للتداول

ولألوان كلمة:

حسين خوجلي

حميدتي من الركن إلى حزمة تفانين .. حكاية تصلح للتداول

من كرامات ألوان في عهدها الثاني أنها قامت بإستقطاب الصحفي الرياضي والفني الكبير الأستاذ حسن مختار الذي أسس مع أخيه الأكبر عبدالرحمن مختار صحيفة “الصحافة” الذائعة الصيت والتي تخرج من بين يديها عدد من كبار الصحفيين المتميزين الذين رفدوا الصحافة السودانية بعطائهم في مختلف العهود السياسية الديموقراطي منها والشمولي، والراحل حسن مختار يمتلك من غير قلمه الرشيق في عموده الرياضي “من الركن” وعموده الفني “حزمة تفانين” كان للرجل روحاً خفيفة فياضة بالمعلومات والسخرية غير الجارحة، كان عليه الرحمة صندوقاً أسود لخفايا السياسة والرياضة والصحافة والفنون وقد جمعته صداقة حميمة بالفنان محمد عثمان وردي وقد حكى لي قصة زواج وردي الثانية بمدني وقد غنى في ليلة زفافه رائعة الشاعر الراحل أبو آمنة حامد:

قالوا بتحبوا قلت ليهم مالو
إيدي على إيدو الهوى مشينالو
حققنا أحلامنا وكل عاشق عقبالو

وقد لاحظت أن قدامى الصحفيين كانوا يمرون عليه في زيارات يومية وكانوا يتجاذبون معه أطراف الحديث وخبايا الذكريات، وعلى أكواب القهوة كانت ضحكاتهم تخترق مكاتب ألوان بلا استثناء. وفي جلسة بمكتبي ضمته مع صديقه الراحل ميرغني أبو شنب وبدأوا في حكاية نوادر الرياضة السودانية ولو كان صحفيو الأقسام الرياضية على دراية بفن التوثيق لصارت مثل هذه الجلسات كتباً ومقرارات تدرس بكليات الإعلام بما فيها من صدقٍ وحيوية ومعلومات.
ومن الحكايات الدافئة التي بقيت في الذاكرة أن الأستاذ ميرغني أبو شنب حكى هذه الحكاية عن رحلتهم للمغرب في السبعينات حيث قال: إن أحد الفرق السودانية كانت مشاركة بإحدى البطولات الإفريقية بالمغرب العربي ومن ضمن الوفد الصحفي كان حسن مختار مع ميرغني أبو شنب وأحمد محمد الحسن وعندما إنتهت المباراة نزل الصحافيون والإداريون إلى قلب المدينة لشراء بعض الهدايا لأهاليهم والأصدقاء. وقد كان السودان في تلك الأيام في حالة اقتصادية صعبة، حيث جفت الأسواق من الكثير من السلع الكمالية وبعض الضروريات في العهد المايوي، وفي سوبر ماركت متعدد الطوابق بمدينة الرباط كنا نختار الهدايا بما تبقى في جيوبنا من مصروف وحوافز. وقد لاحظت أن الأستاذ حسن مختار كان يختار بعض هداياه من قسم المستحضرات التجميلية. ومن يجدر ذكره أن هنالك شاب يعمل بالقسم الرياضي مع أستاذ حسن وكان يمتاز بالنشاط وحب المهنة إذ يقوم بالصباح بتغطية مناشط الإتحاد العام والإتحاد المحلي لكرة القدم واللجنة الأولمبية ثم يقوم بتغطية المناشط الإدارية للأندية ومقابلة أشهر المدربين واللاعبين. وعند العصر يذهب لتغطية “كورة العصر” بدار الرياضة بأمدرمان حيث تقام مباريات (دوري المظاليم) وبعدها مباشرة يذهب لأستاد الهلال أو المريخ أو الخرطوم لتغطية مباريات دوري الدرجة الأولى، ويحضر مساءاً للقسم الرياضي ويبدأ الكتابة وتداول المعلومات مع حسن مختار فتتغير رائحة المكتب بفعل التراب والغبار والعرق ورائحة الجسد المنهك التي تعلو الشاب. وقد كان الأستاذ يتضايق جداً من رائحة المكتب، ومن تكرار هذا الكدح اليومي فقد تغير لون الشاب من حرارة الشمس ومعافرة المواصلات حتى أصبح لونه أقرب إلى السواد. إشترى أستاذ حسن صابونة ضخمة (كنج سايز) من قسم المستحضرات وقد كتب على صندوق الصابونة (إنها تتسلل إلى مسامات الجسم، لتخرج منه كل السموم والفطريات الضارة). ويستغرق ميرغني أب شنب في وصلة من الضحك المستغرق الهتافي وبعد أن يكمل سعادته الوقتية يواصل بطريقته المرحة المميزة القصة متسائلاً: إنت يا أستاذ حسن الصابونة الضخمة دي عايزة لي منو؟! فيرد حسن ساخراً كأنما كان يتوقع مثل هذا السؤال: “قلنا دي نهديها لي ولدنا فلان، يمكن يطلع بعد الإستعمال خواجة العارف منو! ” ويضج المجلس بالضحك ويعلق حسن مختار عليه الرحمة مستعطفاً “بالله يا أب شنب تاني ما تجيني أنا ما فضلت لي مصارين لي جنس دا”.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أستمع أمس الأول لخطاب (الفكي) حميدتي الذي إنقلب على عقبيه فبعد ان كان داعياً للزهد والتصوف وعقيدة المسلمين وزعامة المصطفى والشريعة الحاكمة أصبح بعد هزيمته العسكرية المرة وتوقيع وثيقة نيروبي التي أملاها عليه الحلو عنوة وإقتداراً على أعناق قبيلة الرزيقات المسلمة والمسيرية المجاهدة داعيةً للعلمانية وفصل الدين عن الدولة وإبعاد الإسلام عن الحاكمية والمصطفى صلى الله عليه وسلم من قيادة المسلمين هذا النبي الذي بعث رحمة للعالمين. ومن قلب الحزن على الرجل والقبيلتين وناظر المسيرية والرزيقات الذين باعوا أنفسهم بثمنٍ بخس دراهم معدودات من صندوق الشيطان اللعين. نعم تذكرت عبارة حسن مختار الساخرة “إمكن الولد دا يطلع خواجة” ومن باب المماثلة قلت معلقاً على علمانية حميدتي (إمكن الفكي دا تخرج من جامعة أوكسفورد ونحن ما عارفين، أو نال درجة دكتوراة الدولة من السربون بعنوان مقاربة العلمانية باللاهوت في عصر التنوير الإفريقي). حدث هذا كله والرزيقات لا يعلمون.