عاد القصر وعاد السمر العفيف والثمر الطيب من جديد

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

عاد القصر وعاد السمر العفيف والثمر الطيب من جديد

وبعد أن عاد القصر وعاد النصر قام الثوار من الجيش والمقاومة الشعبية المستنفرين بتطهير حديقة القصر من درن الخيانة والعمالة ونبيذ العرق والمخدرات، نعم طهره شهداء وأهل الكفاح والسياديين الجدد من المقاتلين بالصلوات والأذكار والقرآن والتراويح وإحياء الليل بالقيام وفي لحظات الإتكاءة والساعة بعد الساعة ينطلق الأنس العفيف والثمر الطيب من جديد والقادم من بعض اللطائف والحكايات

(١)
هنالك بعض المهن المهمة التغافل عنها ولو لدقيقة واحدة يسبب كارثة ولهذا تظل حاجة السودان لوحدة مطافئ سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية دائمة ومتيقظة وبلا رحلات أو حتى ترفيه عابر، وللاعتبار فعليكم بقراءة هذه الحادثة لرجال اطفاء في مدينة سويسرية حيث لم يُدعوا للاطفاء لمدة عشرين عاماً، فظن المحافظ أن ذلك سيسبب عندهم مللاً، فقرر أن يقوم معهم برحلة ترفيهية، واكتشف أنها كانت غلطة كبيرة، لأنه جاءهم استدعاء لمكتب الاطفاء بينما كانوا في رحلتهم.

(٢)
عندما قرأت هذه القصة تأكدت بأن الذين دقوا علم الأمم المتحدة احتفالًا بذكراها قد قاموا بالفعل الصحيح، حين جعلوا سافل العلم عاليه، وهو ذات الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة تجاه العالم.
وللاستدلال تقول الوثيقة في إحياء الذكرى السنوية لتأسيس الأمم المتحدة عام ١٩٨٥ تقرر ارسال بعض المتسلقين ليتسلقوا قمة ايفرست، ويغرسوا علم الأمم المتحدة على القمة.
ولكن انتهت البعثة بخطأ فادح، فلسوء حظ المتسلقين اختاروا وقتاً كان فيه الجو أسوأ ما يكون، وعلى الرغم من أنهم قرروا مواجهة برودة الجو والرياح المتواصلة، فقد اضطروا أن يتنازلوا عن مسافة ٢٤٠ كم من تسلق القمة، وكان هذا انجازاً مقبولاً. ولكن عندما نزل المتسلقون بعد غرسهم العلم، والتقطوا صورة له، وجدوا أنهم قد وضعوه رأساً على عقب.

(٣)
لا تقلقوا من الخطأ الآدمي غير المقصود فقد يصبح الخطأ (موضة) لكن ليس كموضة اطلاق الأحزاب في العالم العربي مع أن الفارق بين الحذاء والمكتب السياسي في القيمة ليس بكبير، والتبرير هذه المرة من روسيا حينما ضحك السكان الروس بما فيه الكفاية عام ١٩٨٥ عندما وصلت بعض الأحذية إلى المتاجر، فقد كان كعب الحذاء ملصوقًا بمقدمة القدوم بدلاً من مؤخرتها.

(٤)
كل قديم مفيد إذا تداولت الأجيال المختلقة معرفته وأهميته حتى لا نزيله أو نستبدله فقط لأن عقولنا القاصرة أو الشركة الفاسدة المنفذة ترغب في ربح غير حلال.
ومن أبلغ ما قرأت في هذا المنحى حكاية عمال البلدية مع السدادة المعدنية فقد اندهش عمال إزالة النفايات من قناة وادي شستر في بنسلفانيا عندما رأوا أن كل الماء في القناة يتلاشى.
والأمر الذي لم يستطيعوا إدراكه أن واحدة من القطع المعدنية التي أزالوها كانت سدادة يعود عمرها ل٢٠٠ سنة مضت، وكانت تصون وتضمن بقاء القناة. وعندما ازيلت هذه السدادة اندفع الماء كله للفجوة، تاركاً المراكب والناس جافين تماماً.

(٥)
وبمناسبة عمال البلدية فقد حكى لي الراحل فضل الله محمد بطريقته الهادئة الساخرة أن السودانيين تعلموا أن يستعملوا بعض الكلمات في غير محلها. ويستمر هذا الخطأ على مدار الأجيال حتى يحسبه الجميع لتكراره صحيحًا.
قال لي إن هناك سيدة في مدينة ود مدني (بوبارة) وقد زاد في كبريائها الزائف أن ابناءها المغتربين أقاموا لها منزلًا من طابقين وملأوه بكل معينات الحياة المعاصرة، وجعلوا لها خدمة خاصة للنفايات تأتيها كل صباح. وحرم منها جيرانها المساكين الذين لا يملكون ثمن الخدمة الباهظة فكانوا عندما يقرعون الباب صباحًا تجيب بصوت عال حتى يسمع كل الجيران (إنتو ناس الوساخة) فيرد عليها عامل البلدية الساخر بصوت أعلى: (لا، نحن ناس النضافة إنتو ناس الوساخة يا مدام). فأصبحت المقولة طرفة الحارة ومنذ ذلك اليوم انخفض صوت البوبار في حارتنا.

(٦)
تعود عبد العزيز مسخرة أن يقوم بأفعال درامية على الهواء حكى لأصحابه بأنه كان يمر بجوار إحدى المخابز الشهيرة فلاحظ صف بتجاوز ال٥٠٠ سوداني وسودانية ينتظرون الخبز المستحيل فقرر أن يمارس فيهم أدب اللامعقول.
أوقف سيارته الصغيرة جانبًا وأصبح يمر أمام الصف متفقدًا ويسأل عن أحوال الناس ويجيبه البعض في استغراب والبعض في غضب والبعض لا يرد عليه وآخرون يكاد أن يصفعوه.
نادى عليه رجل يقف في آخر الصف قائلًا: يا أخونا آخر الصف هنا، فذهب إليه وقال له بصوت مسموع: أنا ما عايز رغيف دي مجرد جولة تفقدية. فقال له الرجل الحزين: إنت من المقاومة ولا من الحكومة؟.
فرد عليه بحزم: لا هذا ولا ذاك، أنا من الكيزان.
فرد عليه الرجل بدهشة: (مسؤول من الخير قررتوا تعملوا لينا شنو في الموضوع دة؟).
ويتوالى مسلسل المذلة ومسرح العبث اللامعقول.

(٧)
بعض الأخطاء عندما تنطلق تكثر التفسيرات وكل أحد حسب مزاجه ومصلحته يطلق تفسيرًا. وعندما أخطأ المذيع الشهير بيل هاردكاستل في اسمه فسرها البعض بأنه (فاكيها في روحه) حين تشبه برئيس الوزراء، والبعض ظنها بداية زهايمر، أما العامة فقد وجدوا له تبريرًا بأن الخوف النفسي من الرتابة يولد الأخطاء الحميمة.
فذات مرة أنهى المذيع بيل هاردكاستل نشرة اخبارية عن شمال إيرلندا قائلًا: وقدم لكم النشرة ويليام وايت بلو. وقد كان (ويليام وايت بلو) رئيس الوزراء في ذلك الوقت.

(٨)
وبمناسبة الدهشة من الأشكال والأسماء والعمل الروتيني اليومي أن حاج جابر عليه الرحمة كان أحد ظرفاء الشرفة، وكان طباخًا ماهرًا وعبقريًا في إقامة الدعوات.
زارنا مرة بمنزلنا الصغير وكنت عريسًا في السنة الأولى أسكن في منزل مواجه النيل ببيت المال، وفي صالة المنزل كانت هنالك مرآة على طول الشخص وقف أمامها حاج جابر وقد استبان صورته كاملة، فكأنه يراها لأول مرة وقال بطريقته الساخرة وصوته المرح: يا ربي المخلوق دة أنا شفته وين؟.

(٩)
إذا أراد العالم الإسلامي مرشد وهادي لحياة معاصرة مرتكزًا على برنامج إيماني عملي وتنفيذ قائم على التجربة والانفتاح على العلم والتداخل الإنساني، فعليه بتجربة هارون الرشيد في الحكم والإدارة وقيادة الدولة.
ولكي يشغل أعداء هذه الأمة من الإنتباه بسيرة هذا الرجل العظيم، فقد ملأوا الكتب والقراطيس بحكايات المجون والغناء والجواري والعبث والسفه والصغائر، مع أنه الخليفة الذي اشتهر بالعبارة التي يستحقها: (إنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا) وكانت دولة الاسلام آنذاك امبراطورية ملأت الدنيا بالخير والخبز والسلام.
ومن مآثره هذا الأثر، كان الرشيد في بعض غزواته فألح عليه الثلج ليلة، فقال له بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين أما ترى ما نحن فيه من الجهد والنصب ووعثاء السفر، والرعية قارة وادعة نائمة.
فقال: أسكت فللرعية المنام وعلينا القيام، ولا بد للراعي من حراسة الرعية وتحمل الأذية.

(١٠)
سأل المهلب بن أبي صُفرة ولده يزيد وهو صغير فقال له: يا بني ما أشد البلاء؟
قال: معاداة العقلاء
قال فهل غير ذلك يا بني؟
قال: نعم
قال: وما هو؟
قال: مسألةُ البخلاء
قال: فهل غير ذلك يا بني؟
قال: نعم
قال: وماهو؟
قال: أمرُ اللؤماء على الكرماء
وتعليقي على ذلك معاداة العقلاء مثل موقف علماء السوء من الشيخ القرضاوي، ومسألة البخلاء هي مثل طلب السودان لصندوق النقد الدولي، أما الثالثة فرض أمريكا على العرب المسلمين الصمت والخضوع وهم يرون الدم المهراق للأبرياء في غزة واليمن والضفة الغربية ولبنان، والمساكين لا يدرون أنهم على الطريق ولو بعد حين، ولن تبقى لهم حتى مساحة لسردية (أُكلنا لما أُكل الثور الأبيض)