قصة قصيرة ودمع دافق وحزن طويل …

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

قصة قصيرة ودمع دافق وحزن طويل …

هاتفني أحد الإخوة من بريطانيا كان يعمل معنا إعلامياً وصحفياً بألوان وأخواتها، وكان حزيناً على الذي يحدث في بلادنا وله فيها إرثٌ ومراتع صبا، وله في خدمة الشعب عرق، وهو الآن يعمل في التعليم والتدريب، وفي بعض الأيام يقوم بالترجمة لصالح مؤسسات الرعاية والعون الإنساني، تلك المؤسسات التي تهتم بأمر اللاجئين وطلاب اللجوء الإنساني من الهاربين من وطأة الجوع والخوف وعثرات الحرب وجحيمها. ذكر لي أنه قام بالترجمة لصبي من دارفور، أو قل طفل لأنه في الخامسة عشر من عمره، وقد وصل لبريطانيا في مجازفة ورحيل على شفا الموت، ينفع فيلماً سينمائيا يوزع على كل أقطار الدنيا. وبعد أن أنهى الإنترفيو مع موظف العون الإنساني دردشت معه بالعامية السودانية، وقد حكى لي في سردية ماتعة وباكية قصة هروبه من قرية تقع بالقرب من مدينة الجنينة المبتلاة بجرائم الميليشيا، وعلى صغر سنه فقد كانت لغته فيها الكثير من البيان والوضوح، خاصة وأنه يحفظ أجزاء مقدرة من القرآن في سنوات دراسته الأولى، وكان والده شيخاً للخلوة. وبكى بكاءاً مراً عندما تذكر أسرته التي لا يعرف عنها شيئاً، بعد أن تفرقوا في عراء الله الممتد. كانت جلستي معه سردية طويلة من الفواجع والذكريات المرة مما يصلح لأن يكون سيرة ومذكرات، ولكن يظل السؤال العالق بالذاكرة والإجابة البريئة الصادقة حين سألته عن هؤلاء الأوباش، لماذا بعد أن يسرقوا وينهبوا ويغتصبوا وينالوا كل ما يريدون بقوة السلاح لماذا يدمرون ما خلفوه ويحرقون؟!. صمت الصبي في برهة وقال بلغةٍ بائنة اليقين: يفعلون ذلك لأنهم لا ينتمون لهذه الأرض ولا ينتمون للناس، إنهم أدنى درجة من الحيوانات الكواسر. ورغم لغته العامية الصادقة إلا أن عباراته تظل أصدق من كل بيان ولغة صحيح. إنها محاضرة صغيرة في عدة جمل، ولكنها تصلح كتاباً لتفسير الذي حدث في بلادنا.. ضممته إلى صدري في لحظات الوداع وكأنني أضم إلى قلبي رغم ضآلة حجمه قطعة غالية من بلادي، بكى وبكيت وافترقنا، وذهب إلى المجهول وأدخل الخواجة الصبي التالي لتبدأ لحظات أخرى من لحظات الحزن المطبق والألم الدفين عليهم وعلى بلادٍ أضعناها وضعنا في مجاهيل النزوح وقفر المنافي