هذه حكاية ليست لها أي علاقة بالسياسة

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

هذه حكاية ليست لها أي علاقة بالسياسة

من الأفذاذ والشخصيات التي جملت أيام البشرية وإزدهت بها الأحداث الخليفة العباسي هارون الرشيد، هذا الأمير الذي جمع بين الدين والدنيا وأزهرت في زمانه بغداد بالجهاد والعز والتنمية والفقه والشعر والأدب ومجالس أهل الحق وأهل الإمتاع والمؤانسة. ومن مأخذنا على التجربة السياسية العربية والإسلامية إنها لم تستفد من تجربة الرجل ولا إجتهاداته في أمر البلاد والعباد، فأضعنا تاريخه وتهنا ونحن نلهث وراء سير الأخيار. والأحاديث حول هارون تطول بيد أني أخذت هذه الحكاية الصغيرة لأستدل بها في هذا المقال، فقد روى أصحاب الأحاديث والنوادر أن إبنه الأمين دخل عليه يوماً وهمس له بحديث من أحد وزرائه يشكك في نزاهة الرشيد وكفاءته وأحقيته في الخلافة فإلتفت عنه الخليفة غير مبالياً بما قال فأراد أن يسحبه إلى مقالته قائلاً: إن الذي نقل لي هذا الحديث ثقة.. فأعرض عنه الرشيد مرة ثانية ورد بعبارةٍ حاسمة: “دعك عن هذا فإن الثقة لا ينقل”.
ونحن للأسف يا سعادة الخليفة الفقيه المثقف نعيش في زمانٍ امتلأت شوارعه وصالوناته ومنافيه السيادية والشعبية والأمنية والعسكرية والفكرية بغمامات حالكة من النقل الكاذب من الأباطيل والأسمار حتى من الذين يحسنون لنا والذين نحسن عليهم والمساكين لا يدرون أن كل ما يقال ينقل ويزاد عليه فإن الذي ينقل لك ينقل عنك وما زالت في ذاكرتي هذه القصة القصيرة التي كنا نتداولها في نادي القصة والشعر بالجامعة.
قال الشاهد: أن رجل أعمال شهير صاحب ثراء عريض أدركته الكهولة وأحاطت به الكثير من الأدواء والرهق فحاول أن يلحق ما تبقى من عمره وينتشي ببعض لذاذات الدنيا وشهواتها، أقام علاقة عاطفية بحسناء في عمر بناته مليحة ومؤانسة تتدفق حيوية ونضارة، رأى فيها شبابه الآفل ورأت فيه ثراءها المأمول وقد خرجت من أسرة فقيرة بل قل معدمة فأرادت أن تستثمر جمالها وشبابها في هذه الصفقة الخاسرة، وليتها أمسكت عن النقل والمجاهرة بدراسة جدواها الخائبة فظلت تحدث صديقاتها بتبريرات مخزية عن زواجها الذي ملأت أخباره وأسراره المدينة، كانت تقول لصديقاتها سراً وجهراً حين يتساءلن: ترى ما الذي أعجبك في هذا الكهل المريض؟! كانت ترد بسخرية ضاحكة: أعجبتني عكازته. وما كانت تدري هذه الغافلة أن كل ثرثرتها وسخرياتها الصغيرة والكبيرة كانت تبلغ الرجل من ذات الصديقات، واستطاع رجل الأعمال الكهل بخبرته أن يكتم كل ذلك في نفسه دون أن يصارحها بما كانت تقول وتنقل وتسخر وتبرر. قضى معها سنوات امتص فيها زهرة شبابها ولطف عنفوانها إلى أن أدركه المرض والداء العضال، فكلما طلبت منه بيتاً أو سيارةً أو ذهباً أو رأس مال يحفظ لها باقي حياتها كان يقول لها في ابتسامة خبيثة: عليك بالانتظار فإن ما ترتجيه الآن سوف تجدينه ورثة تكفيك طول العمر. تجاسر المرض على الكهل روحاً وجسداً وفارق الحياة بإحدى المستشفيات باهظة التكاليف تحت إشراف طبيب شهير يداوي ولكنه لا يحيي الموتى، إنقضت أيام العزاء الطويلة وانفض السامر وفتح الوراث من أبنائه وبناته وزوجته الطيبة (أم الأولاد) الوصية وكانت الأرملة الشابة الطروب في حضرة المجلس مع محاميها الشاب الطامع في ثروتها وجسدها الفاتن وكان مفاد الوصية الصادمة كالآتي:
“يرثني أبنائي في أعمالي التجارية وترثني البنات في عقاراتي ومنازلي وترث الحاجة البيت الكبير ورأس مالي في المصرف الشهير. أما زوجتي الصغيرة التي كانت تحب عكازتي فهي لها حظاً في الورثة والسلام”. وللقارئ العزيز حرية اكمال هذا المشهد الدراماتيكي. وبالمناسبة فإن هذه المقالة ليس لها أي علاقة بالوضع السياسي الراهن