الشعراء المعلمون في بلادي .. شلال من الإبداع

بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ

+ ما أكثرهم وحسنا ما سطره القامة الأستاذ عبد القادر الشيخ إدريس (أبو هالة) حولهم بكتابته سفرًا رائعًا بعنوان: الشعراء المعلمون، يأتي في مقدمة مشاهيرهم البروفيسور عبد الله الطيب، وبالطبع يحفظ كثير من الناس رائعته النيل:

بلندن مالي من أنيس ولا مال
وبالنيل أمسى عاذري وعزالي
ذكرت لقاء الأزرقين كما دنا
أخو غزل من خدر عذراء مكسال
إذا الأبيض الزخار هاج عبابه
له زجل من بين جال إلى جال
ترافقه من فوقه قزع الطخا
فتحسبهن الطير تهفو لأوشال

+ ليأتي في نفس سنوات جيل البروفيسور عبد الله الطيب الأستاذ الدبلوماسي والإداري محمد عثمان يسن الذي كتب شعرًا فخيمًا وأصدر كتابًا عن الأخطل الصغير.
+ جيل الأربعينات والخمسينيات وأشهرهم الشعراء أحمد محمد صالح وعمر البنا. الأول أحمد محمد صالح، كتب وأصدر ديوان مع الأحرار الذي تضمن 32 قصيدة من أمهات قصائد العربية ومنها (فينوس):

أخلفت يا حسناء وعدي
وجاوبني وصنت رفدي
فينوس يا رمز الجمال ومتعة الأيام عندي
ولما جلوك على الملأ
وتخيروا الخطاب بعدي
هرعوا إليك جماعة
وبقيت مثل السيف وحدي
هذي اليراعة في يدي
لو شئت لكانت ذات حد

+ يبرز كذلك إدريس جماع كشاعر من طينة العباقرة نظما للشعر بصورة الإدهاش:

أنت إنسان بحق وأنا
بين قلبينا من الحب سنا
كل يوم صور عبر الطريق
تزحم النفس بها وتفيق
ليس ما هزك حسا عابرا إنه في الصدر إحساس عميق

+ وقريب من إدريس جماع كان إبن خالته محمد محمد علي، ذلك الذي أتى بما لم يأت به الأوائل، ففي ديوانه (ألحان وأشجان) نقرأ معا:

تاه في دنياك تغريدي ولحني
وإنطوى في كونك المسحور كوني
ذاب في عينيك مسامي وروحي
وهنائي وصباباتي وأمني
حولكَ البُشرى وألوان التمني
سَكِرتْ في روحك العربيد نفسي وإرتوت من شاطئ الأحلام عيني
فاستفاقَ الفجرُ في بيداء صدري واحتويت الكونَ في بيداء ظني

+ في جانب الإحساس الشاهق لمأساة السودانيين فاضحة المواقف السياسية قصة تهجير أهالي وادي حلفا التي سطرها المعلم الشاعر محي الدين فارس:

يتأملون على محطات الدجى
شرفات نخل غارق ورقاب أبنية ومئذنة تصر على البقاء
ومدينة من ذكريات كان مغربها الحزين بلا نهاية
فبقيت بذاكرة الزمان تظل تولد كل يوم من تجاعيد المساء

+ وفي نقاشات المساء، معلم كتب للمعلمين، ويتمثل في نموذج الشاعر عبد الله الشيخ البشير دلالة واضحة على ذلك، لإهتمامه بقضايا المعلمين إلتصاقًا بهم وهو ما جعله سنوات عديدة أمينًا عامًا لنقابة المعلمين. كتب الشاعر الفذ عبد الله الشيخ البشير قصيدة من ذهب العبارات الممتدة تصويرًا، حيا فيها المعلم وظلت واحدة من أشهر القصائد التي كتبها المعلمون عن زملائهم:

حمل الرسالة وهي عبء فادح
فسعى بها وبنى لها وأقاما
وإندس في دنيا التواضع كلما
لاحت له بارقة الظهور تعامى
يمشي وئيد الخطو موفور النهى
متحرجآ يخشى الأذى والزاما
ياويحه لا الناس ترحمه فقد
أحصوا عليه مايباح حراما
تلقاه يزهو بين نجاح لم ينل
منه ثناء قل أو أكراما
وتراه يأتي للضعيف يقوته
شرف النجاح طاويا أيامه
قلبي مع المتفجرين سلاما
الشاهرين على الظلام حساما

+ وغير بعيد من هؤلاء المعلمون الشعراء أحد أفذاذ الشعراء في تاريخ الشعر السوداني عمران العاقب والذي عرف بصوفياته المتعددة وهو أمين ومؤسس مكتبة معهد التربية بخت الرضا الأستاذ عمران العاقب:

ما ربع مكة إن قر الأليف به ربع ولا في حواشي ليلها سمر
صوت السموات هز البيد فإنبعثت عزائم تابعت ما سطر القدر
سجى الدجى خاشعا والبيد أرعشها سهد الليالي وأضنت سوحها الفكر
والراسيات على البطحاء يغمرها سود الظلال وفي أعماقها الحذر
والريح تمشي الهوينى في الشعاب فما يهتز من روحها نجم ولا شجر
يسري به الركب في ظلماء حالية بالنجم يطرفه التهويم والخدر
وصاحب لك في إيثاره قبس من النبوة لا يرقى له النظر
يطوف حولك إشفاقا وتفدية كما يطوف ببيت الله معتمر