في شأن المعقول لأهل العقول

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
في شأن المعقول لأهل العقول
(١)
إن كل أزماتنا في السودان مردها استعمالنا المبالغ فيه للعاطفة والهوى وإهمالنا للعقل والعقلانية. وبالعاطفة والهوى نجوع، ونظمأ ونجهل، ونمرض، ويقتل بعضنا بعضا، ولا أحد منا يتدبر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (أول ما خلق الله تعالى العقل. فقال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال عز من قائل:(وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعز علي منك، بك آخذ وبك أُعطي وبك أحاسب وبك أعاقب).
(٢)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجنة مائة درجة، تسعة وتسعون منها لأهل العقل، وواحدة لسائر الناس). وقال علي بن عبيدة: العقل ملك والخصال رعية، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل اليها).
(٣)
سألوا علياً: صف لنا العاقل
قال: الذي يضع الشئ مواضعه.
قيل: فصف لنا الجاهل
قال: قد فعلت، يعني الذي لا يضع الشئ مواضعه.
ومثال الجهل السياسي السوداني تعيين مسؤول وعزله مع علمهم المسبق بأنه لا يصلح لذلك الأمر.
(٤)
وللمنصور وصية تبقى على مر الأزمان فقد نصح ولده قائلا: (لا تقل من غير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير).
(٥)
ومن هدايا الفرس للأمراء والولاة والوزراء نصيحة كبيرهم أردشير فقد كان يقول: (أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة).
(٦)
وعندما زرت إيران وجدتهم يحتفون بالقرآن والحديث ومأثور أقوال أهل البيت، ومن طرف خفي يحتفون بأقوال ملوكهم الأوائل ومنها حكمة أنو شروان التي تصلح برنامجا للسياسة والسياسيين فهي من مكارم الأخلاق: (أربعة تؤدي إلى أربعة العقل إلى الرئاسة، والرأي إلى السياسة، والعلم إلى التصدير (الصدارة)، والحلم إلى التوقير).
(٧)
ومن الآداب التي كان يأمرنا أساتذتنا بحفظها في كل حصة لغة عربية وأدب قول أحد الحكماء: (إذا أراد الله بعبدٍ خيرا ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقهه في الدين، وعضده باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف. وإذا أراد به شرا حبب إليه المال، وبسط منه الآمال، وشغله بدنياه، ووكله إلى هواه، فركب الفساد، وظلم العباد).
(٨)
من الإجابات التي نُرشِحُها ما بعد الحرب لمنهج الأدب واللغة سؤال سيدنا معاوية وإجابة عمرو بن العاص، فقد سأل معاوية عمرو: من أبلغ الناس
فقال: أقلهم لفظاً، وأسهلهم معنى، وأحسنهم بديهة. ولو لم يكن في ذلك الفخر الكامل لما خص به سيد العرب والعجم صلى الله عليه وسلم وافتخر به حيث يقول: (نُصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم).
(٩)
كان صلى الله عليه وسلم يوسع بنظرته الكلية للكون مفهوم الجمال ومما استوقفني أنه سمع صلى الله عليه وسلم كلاما فصيحا من عمه العباس فقال له: (بارك الله لك يا عم في جمالك، أي فصاحتك).
(حظ الصحفيين والاعلاميين من الشعراء وهم ينالون هذا الشرف اذا أجادوا اجادة العباس).
(١٠)
كان أستاذنا دكتور دشين عندما يقرأها علينا يقول الظريف منو؟ المأمون ولا يحيى؟ ويحكي الحكاية: أن المأمون سأل يحيى بن أكثم عن شي
فقال: لا، وأيد الله أمير المؤمنين.
فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها.
(١١)
إلى رئيس وزراء ما بعد تحرير الخرطوم هذه الحكاية هي الهادية إلى اختيار برنامج الخارجية الجديد الذي يسترد أموالنا من اليانكي، ويرفعنا من قائمة الإرهاب، ويعيد لنا عزتنا وكرامتنا، ويرفض الإنصياع لأوامر اليهود والنصارى، ويبشر بالتنمية والإعمار، وعنده الأرض والماء والشباب والرزق الحلال.
حُكي أن المأمون ولى عاملاً على بلاد، وكان يعرف منه الجور في حكمه، فأرسل إليه رجلاً من أرباب دولته ليمتحنه، فلما قدِم عليه أظهر له أنه قدم في تجارة لنفسه، ولم يعلمه أن أمير المؤمنين عنده علم منه، فأكرم نزله، وأحسن إليه، وسأله أن يكتب كتاباً إلى أمير المؤمنين يشكر سيرته عنده ليزداد فيه أمير المؤمنين رغبة.
فكتب كتاباً فيه بعد الثناء على أمير المؤمنين، أما بعد فقد قدمنا على فلان فوجدناه آخذا بالعزم، عاملا بالحزم، قد عدل بين رعيته، وساوى في أقضيته، أغنى القاصد، وأرضى الوارد، وأنزلهم منه منازل الأولاد. وأذهب ما بينهم من الضغائن والأحقاد، وعمر منهم المساجد الدائرة، وأفرغهم من عمل الدنيا، وشغلهم بعمل الآخرة وهم مع ذلك داعون لأمير المؤمنين، يريدون النظر إلى وجهه والسلام.
فكان معنى قوله آخذا بالعزم إذا عزم على الظلم أو جور فعله في الحال، وقوله قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته، أي أخذ كل ما معهم، حتى ساوى بين الغني والفقير، وقوله عمر منهم المساجد الدائرة، وأفرغهم من عمل الدنيا، وشغلهم بعمل الآخرة، يعني أن الكل صاروا فقراء، لا يملكون شيئاً من الدنيا، ومعنى قوله يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين، أي ليشكوا حالهم وما نزل بهم. فلما جاء الكتاب إلى المأمون عزله عنهم لوقته وولى عليهم غيره.