صلاح مصطفى .. الماضي والحاضر

صلاح مصطفى .. الماضي والحاضر
أمير أحمد حمد
جاء بأنغام وسيمة كوسامته الظاهرية والباطنية، وهبه الله موهبتين فجمع بين نظم الكلمة وتنغيمها بين العذوبة والسهولة عبر صوت واضح النبرات تنساب نبراته وتتهادى إلى أن تصل إلى مصبها وجدان المستمع السوداني فتنداح في مساماته طربًا عجبًا وتكفي شهادة الشاعر حسين بازرعة حينما استمع لصلاح مصطفى لأول مرة حينما قال (أرخم صوت استمع إليه)
أتذكرين نزهتنا في المقرن سوا
وسط نتساقى كاسات الهوى
أتذكرين النيلين عناقهم كيف بدا
واحتضان الوردة لبلل الندى
الموجة تابعة الموجة جارية تطاردا
إلى نهاية الأغنية التي كتبها الشاعر مسعد حنفي وهي من أوائل الأغنيات التي لحنها وغناها الأستاذ صلاح مصطفى في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وهي ليست أغنيته الأولى ولكن أعتقد أنها بشرت بقدوم موسيقار إلى براح وديوان الأغنية السودانية وأكدت علو كعبه في ملكة التلحين المصحوب بالتطريب رغم أن موسيقاها تسير على وتيرة واحدة ولحن هذه الأغنية يؤكد أن مطربنا يسير في الطريق الصحيح فقد سبقها بألحان عذاب لم يبثها عبر حنجرته بل عرفها المستمع السوداني عبر حنجرة صلاح محمد عيسى (عشان كده أنا حبيتو) وحنجرة عبيد الطيب (سلام وكلام) وهكذا كانت البداية بالتلحين قبل الغناء منذ النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي (53/54)
تقريبًا وتحت إلحاح وإصرار بعض من حوله تم إقناعه بالظهورواحتراف الغناء خاصة صديقه وزميله في مصلحة البريد والبرق شاعر العيون عبدالله النجيب. ومن أوائل الأغنيات التي تم تسجيلها بصوته للإذاعة السودانية أغنية (نوار) من كلمات الشاعر عبدالله النجيب
زهور الروض يا نادي
الوردة تفتح نشوانه
والزهرة تناغم جيرانه
والريحة تفوح ترد الروح
من أوراق الريحانة
وقد وجدت هذه الأغنية قبولًا واستحسانًا كبيرين وسط الجمهور المتتبع للفن ووافر الشكر الجميل للأستاذ عبدالله النجيب الذي لولاه ما عرفنا وتمتعنا بصوت صلاح مصطفى وقد وصل الأمر به (عبدالله النجيب) أن ذهب بفناننا الفخيم إلى مكتشف النجوم الشاعر والملحن عبدالرحمن الريح ليعرض عليه موهبته في الغناء
كذلك لم يقصر شاعر العيون مع صلاح مصطفى ومنحه أكثر من خمس أغنيات منها حبيبة غريبة، وأحب عينيك وصدقت العيون، وين أيامي.
أصبح صلاح مصطفى نجمًا بازغًا في سماء الأغنية السودانية وصدقت أمنية والده المثقف حينما تمنى أن يصل إبنه كما وصل الفنان أحمد المصطفى الذي تغيرت بسببه نظرة المجتمع للفن والفنانين هاهو صلاح مصطفى قد بلغ ما بلغ في الفن وتلاحقت الكتوف أن لم يكن بدرجة أحمد المصطفى لا يقل عنه فيما قدمه للفن السوداني، بل أرى وهذا رأيي شخصي بأنه تفوق عليه بكتابة الشعر وأكثر فنان تغنى له صلاح مصطفى هو صلاح مصطفى ذات نفسه حيث غنى من أشعاره وألحانه ١٨ اغنية أشهرها أساسق بالدريب، وأمدرمان وأشوفك وين يا كحيل العين، لو بتحبني وغيرها من الأغنيات. وأضف إلى ذلك كل أعماله من ألحانه وأمتد عطاؤه بالتلحين لزملائه حتى بعد أن أصبح فنانًا مشهورًا كتلحينه لأغنية بشارة (يا غيمة أمشي ز يارة) من كلمات إسحق الحلنقي وأداء إبراهيم حسين، وكذلك أغنية (فاتوا الحبايب) لزميله الفنان محجوب عثمان.
لم يصل صلاح مصطفى إلى ما وصل إليه إلا نتيجة لموهبته وحسن اختياره للكلمات التي يتغنى بها، ووضع الألحان المناسبة التي تمكنه من أدائها بصورة مريحة تتوافق مع حباله الصوتيه وحتى اختياره لأغنيات الغير كانت بنفس الصورة خاصة أغنية الحقيبة غنى القمري على الغصون ذكرني الدر المصون فريد عصرو المامتلو شي.
بالله عليكم من منكم استمع إلى هذه الأغنية بصوته ولم يستدعي الذكريات؟ غناها كما يغني القمري في دوحته .
أغنيات الفنان صلاح مصطفى يغلب عليها في معظم كلماتها أن لم تكن كلها بساطة المعنى وسهولة اللفظ وخالية من الغزل الفاضح، كما فعل شعراء الحقيبة، وظهر ذلك جليًا في الأغنيات التي منحها له محجوب سراج كالأغنية التي إتخذتها عنوان لهذا المقال الماضي والحاضر وصويحباتها مثل بعد الغياب وطريق جنة وحبة شوق ولمسة وبرضي بحبك وحبة شوق وحتى انت وأحسن أوادعك وتودعني وهي أول تعامل بينهما عام ١٩٦١
وتطابقت نفس روح المعاني في كلماته حينما أقنع صديقه مصطفى سند بأن يلج مجال كتابة الأغنية فكانت أغاني شارع الصبر وقصدو أيه وغالي الحروف وبريد الشوق وعدي يا شوق وعيد الحصاد. كذلك جمع القدر صلاح مصطفى بصاحب أغنية مشي أمرك يا قدر إسحق الحلنقي، فكان قدره منه أغنيات عش حياتك والعش الجميل. أما الشاعر محمود حسين خضر فقد غنى جميل أغنياته مرة صابر فوق أذايا ومرة شايل جرحي وأشكي يا حبيبي الدنيا حاله يوم تفرح ويوم تبكي
ولا ننسى محجوب شريف ويتيمته لصلاح مصطفى سافر زمان قبال سنين لا جاب جواب لاجاب خبر
وكدت أن أنسى أحد الشعراء الذين شكلوا حضورًا أنيقًا في ديوان صلاح مصطفى الغنائي الصيدلاني علي شبيكة فكانت كيمياء أغنياته قد تفاعلت مع كيمياء ألحان صلاح مصطفى فجاءت بوصفات كانت ترياقًا للوجدان السوداني فكانت الجرعة الأولى أقول صباح الخير ولا ياجميل ويا روابينا ولالالا لا ولبيك الله وتوالت الجرعات الطربية حتى بلغت ما يربو على ١١ أغنية
هاهي أغنيات صلاح مصطفى كما وصفتها لكم ومازال فناننا الفخيم مبتلى بفنه الأنيق وما أحلى الابتلاء ومازالت أغنياته تحتل مكانًا عليًا في ربا الأغنية السودانية ونتمنى له دوام الصحة والعافية ومزيدًا من الإبداع.
++++++++++++