كمال عوض يكتب: فضل الله والنعمان .. اللقاء الأخير

قضايا وأراء

كمال عوض

فضل الله والنعمان .. اللقاء الأخير

+ في محاضرة بعنوان (تجربتي) ضمن دورة تدريبية تم التحضير لها قبل سنوات بمباني الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية في الخرطوم، سرد الأستاذ الراحل فضل الله محمد، (مشواره) الصحفي، غير أنه اجتهد كثيراً في الابتعاد عن قبيلة الشعراء، وتحاشى الحديث عن روائعه التي ظلت عالقة في ذاكرة الأغنية السودانية.
+ أعتذر الأستاذ بأدبه الذي عرف به، للإطالة في الحديث والغوص في بعض التفاصيل، لكنني فاجأته بـ: (الغريبة الساعة جنبك تبدو أقصر من دقيقة)، لتضج القاعة بالضحك، وينحني الأستاذ ليخفي تعابير وجهه بكلتا يديه، وهو يحس بإستدراجي له إلى منطقة حاول الهروب منها دون جدوى.
+ لم أهضم يومها فكرة أن يتجاوز فضل الله محمد، أغنيات بعمق وروعة (الحب والظروف) و(زاد الشجون) و(من أرض المحنة)، وأناشيد أكتوبر، وهو صاحب أغنية (الجريدة)، الأغنية الوحيدة التي تمس كلماتها واقعنا الصحفي، ونجد فيها المقال والخبر والقصة.
+ كانت تجربة شعرية ثرة، مازالت محفورة في وجدان الشعب السوداني، الذي ظل يردد أشعار فضل الله وكلماته لسنوات طوال مع رفقاء دربه محمد الأمين وأبو عركي البخيت ومحمد مسكين وغيرهم.
+ فضل الله إبن (مدني السني)، أرض المحنة والجمال، قال لي إن كتابته للشعر كانت في مرحلة معينة وانتهت، ويدلل على ذلك أنه ظل لعقود بلا إنتاج جديد.. ولكنني عرفت أن الأستاذ كان يكتب الشعر ويخبئه في دواخل عميقة مليئة بالشجن، حتى قبل أشهر قليلة من رحيله.
+ وعدني أستاذنا فضل الله، بحوار يتحدث فيه عن تجربته الشعرية، بعيداً عن أجواء المهنة الساخنة وهمومها، وظللت أنتظر إشارة شاعر الروائع، وأداعبه خلال إتصالاتي المستمرة: (أشوفك بكرة في الموعد) فيضحك بصفاء ويجيب: (كان حيينا ما متنا)، وكان القدر أسرع.
+ رحم الله الأستاذ فضل الله محمد بقدر ما أعطى من حب لهذا الوطن الكبير.

 

+ النعمان والكاشف:

 

+ أرسل لي أحد الأصدقاء تسجيلًا نادرًا لحلقة متميزة بثها تلفزيون السودان عن الفنان إبراهيم الكاشف، ظهر في بعض لقطاتها الأستاذ الشاعر والكاتب الصحفي الراحل النعمان علي الله، وهو يتفقد أوراق الأطباء وفحوصاتهم للاطمئنان على صحة صديق العمر، ونظراته مليئة بالقلق خشية من أن يكون (اللقاء الأخير)، وقد كان.
+ النعمان علي الله، صاحب القلب المرهف الرقيق هو شاعر أغنية (ما بقدر أبوح) التي تغنى بها إبراهيم عوض وأحدثت ضجة كبرى في الوسط الفني مازال صداه يتردد حتى الآن.
+ النعمان الذي إلتقيناه في (دار ألوان العامرة) وصار من أقرب وأعز الأصدقاء، يملك رصيداً كبيراً من الأغنيات الجميلة التي صدح بها كبار الفنانين أمثال محمد حسنين (أبو عيون كحيلة) وأبو عركي البخيت (تيهي يا حلوة)، لكنه لم يحظ بفرصة مع الكاشف، فرحل دون أن يحقق حلمه ويترنم بكلماته.
+ بكى النعمان بكاءً مرًا حتى أشفق عليه الحضور، عندما أخبره أحد الزملاء برحيل الصحفي كمال خشم الموس، وظن أنه يتحدث عن شخصي الضعيف.
+ غادر النعمان الدنيا الفانية في صمت قبل سنوات، وكانت وصيته الأخيرة (ماتنسوني) .. مات النعمان وترك لنا الذكريات والحسرة والنحيب.