زيارة البرهان إلى أسمرا .. الأبعاد والدلالات

ملفات سياسية وأمنية على طاولة المباحثات

زيارة البرهان إلى أسمرا .. الأبعاد والدلالات

+++++++

أمدرمان: الهضيبي يس

زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان خلال اليومين الماضيين العاصمة الإرترية “أسمرا” وأجرى خلال الزيارة مباحثات رسمية مع الرئيس الإرتري أسياسي أفورقي حول مجمل تطورات الأوضاع في السودان التي تشهد حربًا منذ منتصف شهر ابريل لعام 2023. ونشطت خلال الأيام الماضية، وبشكل لافت العلاقات بين الخرطوم وأسمرا، وتحاول إريتريا، في مساعيها لتعزيز علاقاتها مع السودان، التموضع أفريقيًا، بينما يسعى السودان إلى تعزيز مواقفه الإقليمية بما يدعم السياسة السودانية داخليًا.

 

+ مبادرة سابقة:

وسبق أن طرحت أسمرا، خلال استقبال الخرطوم في أبريل من العام 2021 وفداً إريترياً ضم وزير الخارجية عثمان صالح ومستشار الرئيس الإريتري، مبادرة لمعالجة الأزمة وتقريب وجهات النظر بين جميع أطراف الصراع، كما سلم السفير الإريتري في الخرطوم عيسى أحمد عيسى، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي تؤكد اهتمام الأخير البالغ بتطورات الأوضاع في السودان، وضرورة توحيد الجهود والعمل الجاد للوصول إلى رؤية موحدة تضمن الخروج الآمن من الأزمة وذلك أبان اشتداد أزمة الخلاف السياسي بين أطراف الشراكة السودانية وقتها.

+ توتر إريتري إثيوبي:

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبد الوهاب البشير، أن “دوافع التقارب السوداني الإريتري مرتبطة بجملة تحولات بين إريتريا وإثيوبيا، فمن الواضح أن العلاقات بين قيادة البلدين ممثلة في الرئيس الإريتري أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليست على ما يرام، بخاصة بعد توقيع الاتفاق الإثيوبي الإريتري في جدة عام 2018 برعاية القيادة السعودية، فقد جرت تحولات عدة أدت إلى سوء العلاقات بين الدولتين، منها عدم تفعيل اتفاق جدة الذي يرى أفورقي أنه لا يخدم مصالحه لأنه يمنح تيغراي فرصاً أكبر في إريتريا من ناحية فتح الحدود، بالتالي يعطي هذا الاتفاق شعب تيغراي متنفساً كبيراً ويخدم مصالحه من كل النواحي. وأضاف البشير، من هذا المنطلق شعر الرئيس الإريتري أن اتفاق جدة للسلام مع إثيوبيا، والذي طوى صفحة أطول نزاع في القارة الأفريقية، يمثل خسارة كبيرة له، وأنه يخدم أديس أبابا، وكذلك تيغراي أكثر من إريتريا”. وتابع، الشيء الثاني أن الضغوط الدولية على الحكومة الإثيوبية جعل رئيس وزرائها يتجه لتصفية المشكلات مع إقليم مثل تغراي جراء الحرب، لذلك ما جرى من حوار وطني إثيوبي يقوم على ضرورة إجراء مصالحة مع تيغراي، وهو ما لا يرغبه أفورقي، بالتالي غضب من هذه الخطوة، وساءت العلاقات بين البلدين، ما انعكس على جملة خطوات أمنية وعسكرية وتبعات سياسية، ويمكن القول إن العلاقات الإثيوبية الإريترية تمر الآن بأسوأ حالاتها، وتشير المعلومات إلى وجود معارك على الحدود بين البلدين، فضلاً عن انسحاب القوات الإريترية من مناطق كانت تخدم الجانب الإثيوبي، وهناك حشود إثيوبية على الحدود الإريترية والسودانية، وكلها تحولات في الوضع الأمني والعسكري تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية”.

+ تحرك إريتريا تجاه السودان:

ويلفت أستاذ العلوم السياسية عبد الوهاب البشير إلى أن كل هذه الأسباب مجتمعة، بخاصة سوء العلاقات الإثيوبية الإريترية أدى إلى تحرك إريتريا تجاه السودان وفق خطين: الأول التفاوض بشأن العلاقات بين البلدين، والثاني نقاشات تجري بخصوص العلاقات السودانية – الإثيوبية، وهناك أيضاً نقاشات تختص بمسألة تيغراي، لكن ليست مجرد زيارة يجريها وزير الخارجية الإريتري ومستشار الرئيس أفورقي إلى الخرطوم يمكنها إنجاز المهمة، والأفضل لوصف ما يجري هو أنه تفاهمات إريترية – سودانية”. ويذهب البشير إلى أنه قد تبدو هناك مجموعة قضايا ترتبط بشرق السودان، وكذلك قضايا تخص الداخل الإريتري متعلقة بأمور اقتصادية، وأخرى أمنية وعسكرية تتصل بطبيعة المشكلات القائمة في منطقة (الفشقة) الحدودية المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، فضلاً عن مشكلة اقليم تيغراي. وكل هذه المسائل تحتاج بالفعل إلى تفاهمات في ظل التحولات التي جرت في العلاقات الإريترية الإثيوبية، لكن يلوح في الأفق تساؤل مهم هو: هل السودان مستعد للتقارب مع إريتريا؟ أو إذا صح التعبير: هل الخرطوم ترغب في تفاهمات مع أسمرة تخدم هذه الأشياء هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة من خلال تحركات فعلية، أو وجود مؤشرات حقيقة على الأرض، تتمثل في الزيارات المتبادلة بين الدولتين، أو تعديل بعض الأوضاع على الحدود السودانية – الإريترية، أو ما يمكن أن يحدث من تطورات إريترية إيجابية في منطقة (الفشقة)، فضلاً عن أية جهود من جانب أسمرة تجاه قضايا شرق السودان الملتهب”.

+ مخاوف الخطر والتهديد:

وذكر الكاتب الصحفي والمحال السياسي، عمار العركي، في مقال له في وقت سابق إلى أن “الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي ينطلق من مخاوف الخطر والتهديد الذي تمثله له جبهة تيغراي، عدوه اللدود والتاريخي، في ظل ما تتمتع به من إمكانات قتالية عالية، ففي حال حدوث تسوية وتصالح بين تيغراي والحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد فقد يقود ذلك إلى تحالف بينهما، بالتالي سيكون هذا بمثابة بداية النهاية لأفورقي ونظامه”. وواصل، “كذلك يقع أفورقي تحت ضغط تلويح (تيغراي) بتسليم أسرى الحرب لديها إلى الأمم المتحدة التي طردها الأول من بلاده تزامناً مع فرض العقوبات الأميركية، بيد أن تيغراي لديهم عدد يفوق الألفين من أسرى الحرب، أغلبهم من الشباب الإريتري المجبرين على القتال تحت بند الخدمة الإلزامية، وهم على استعداد لتقديم شهاداتهم وإثبات الاتهامات الدولية واعترافهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بإيعاز وأوامر مباشرة من الرئيس الإريتري، حال قيام تيغراي فعلاً بتسليمهم للأمم المتحدة.