مؤانسة بين يدي الاربعاء

لألوان كلمة:

حسين خوجلي

 

مؤانسة بين يدي الاربعاء

 

* الدّين والمال
حكي أن ملكا رأى شيخا قد وثب وثبة عظيمة على نهر فتخطاه والشاب يعجز عن ذلك فعجب منه فاستحضره فحادثه في ذلك فأراه ألف دينار مربوطة على وسطه
وقال لقمان لابنه يا بني شيئان إذ أنت حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك.

* الإعتذار المناسب

وكان ابن مقلة وزيراً لبعض الخلفاء فزور عنه يهودي كتاباً إلى بلاد الكفار وضمنه أمورا من أسرار الدولة ثم تحيل اليهودي إلى أن وصل الكتاب إلى الخليفة فوقف عليه وكان عند ابن مقلة حظية هويت هذا اليهودي فأعطته درجا بخطه فلم يزل يجتهد حتى حاكى خطه ذلك الخط الذي كان في الدرج فلما قرأ الخليفة الكتاب أمر بقطع يد ابن مقلة وكان ذلك يوم عرفة وقد لبس خلعة العيد ومضى إلى داره وفي موكبه كل من في الدولة فلما قطعت يده وأصبح يوم العيد لم يأت أحد إليه ولا توجع له ثم اتضحت القضية في أثناء النهار للخليفة أنها من جهة اليهودي والجارية فقتلهما أشر قتلة ثم أرسل إلى ابن مقلة أموالاً كثيرة وخلعاً سنية وندم من فعله واعتذر إليه فكتب ابن مقلة على باب داره يقول:
(تحالف الناس والزمان … فحيث كان الزمان كانوا)
(عاداني الدهر نصف يوم … فانكشف الناس لي وبانوا)
(يا أيها المعرضون عني … عودوا فقد عاد لي الزمان)
ثم أقام بقية عمره يكتب بيده اليسرى.
قال بعضهم:
(إنما قوة الظهور النقود … وبها يكمل الفتى ويسود).

* إدعاء الجنون

حكي أن الحجاج خرج يوماً متنزهاً فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال من هذه القرية. قال: كيف ترون عمالكم؟ قال: شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم. قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذاك ما ولى العراق شر منه قبحه الله وقبح من استعمله. قال: أتعرف من أنا؟ قال: لا. قال: أنا الحجاج. قال: جعلت فداك أو تعرف من أنا؟ قال: لا. قال: فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين، قال فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة.

* لكل سؤال جواب

وقال الأوزاعي الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته وقال عبد الله بن طاهر المال غادٍ ورائح والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة وقال المأمون للحسن بن سهل نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة سوى سبعة قال: وما السبعة يا أمير المؤمنين؟ قال: خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد، والثوب الناعم، والرائحة الطيبة، والفراش الواطىء، والنظر الى الحسن من كل شيء. قال: فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال صدقت وهى أولاهن وقال سليمان بن عبد الملك أكلت الطيب ولبست اللين وركبت الفارهة وافتضضت العذراء فلم يبق من لذاتي إلا صديق أطرح معه مؤنة التحفظ. وكذلك قال معاوية رضي الله عنه نكحت النساء حتى ما أفرق بين امرأة وحائط وأكلت الطعام حتى لا أجد ما استمرئه وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء وركبت المطايا حتى اخترت نعلي ولبست الثياب حتى اخترت البياض فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة أخ كريم وأنشدوا في معنى ذلك
(وما بقيت من اللذات إلا … محادثة الرجال ذوي العقول)
(وقد كنا نعدهم قليلاً … فقد صاروا أقل من القليل).

* الأرواح الطاهرة المتحابة

حكى أبو علي المصري قال كان لي جار شيخ يغسل الموتى فقلت له يوماً حدثني أعجب ما رأيت من الموتى فقال جاءني شاب في بعض الأيام مليح الوجه حسن الثياب فقال لي أتغسل لنا هذا الميت قلت نعم فتبعته حتى أوقفني على الباب فدخل هنيهة فإذا بجارية هى أشبه الناس بالشاب قد خرجت وهي تمسح عينيها فقالت أنت الغاسل قلت نعم قالت بسم الله أدخل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فدخلت الدار وإذا أنا بالشاب الذي جاءني يعالج سكرات الموت وروحه في لبته وقد شخص بصره وقد وضع كفنه وحنوطه عند رأسه فلم أجلس إليه حتى قبض فقلت سبحان الله هذا ولي من أولياء الله تعالى حيث عرف وقت وفاته فأخذت في غسله وأنا أرتعد فلما أدرجته أتت الجارية وهي أخته فقبلته وقالت أما إني سألحق بك عن قريب فلما أردت الانصراف شكرت لي وقالت أرسل إلي زوجتك إن كانت تحسن ما تحسنه أنت فارتعدت من كلامها وعلمت أنها لاحقة به فلما فرغت من دفنه جئت أهلي فقصصت عليها القصة واتيت بها إلى تلك الجارية فوقفت بالباب واستأذنت فقالت بسم الله تدخل زوجتك فدخلت زوجتى وإذا بالجارية مستقبلة القبلة وقد ماتت فغسلتها زوجتي وأنزلتها على أخيها رحمة الله عليهما.

 

* الحلم والصفح

كان معاوية رضي الله عنه يعرف بالحلم وله فيه أخبار مشهورة وآثار مذكورة وكان يقول إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي وذنب لا يسعه عفوي وحاجة لا يسعها جودي وهذه مروءة عالية المرتبة وقال له رجل يوما ما أشبه أستك بإست أمك فقال ذاك الذي اعجب أبا سفيان منها وكتب معاوية إلى عقيل بن ابي طالب رضي الله عنه يعتذر إليه من شيء جرى بينهما يقول من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب أما بعد يا بني عبد المطلب فأنتم والله فروع قصي ولباب عبد مناف وصفوة هاشم فأين أخلاقكم الراسية وعقولكم الكاسية وقد والله أساء
أمير الؤمنين ما كان جرى ولن يعود لمثله إلى أن يغيب في الثرى فكتب إليه عقيل يقول:
(صدقت وقلت حقا غير أني … أرى أن لا أراك ولا تراني)
(أقول سوء في صديقي … ولكنني أصد إذا جفاني)
فركب إليه معاوية رضي الله عنه وناشده في الصفح عنه واستعطفه حتى رجع.
* طلق امرأته لوجه الله
قال الأصمعي: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار، فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سلموا، فأعتق كل رجل منهم مملوكاً، فقال ذلك الأعرابي: اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً.