قصيدة من أسمار الفقراء .. مهداة إلى أدعياء الإمارة والشرف

من أرشيف ألوان عام ١٩٨٦م
قصيدة من أسمار الفقراء
مهداة إلى أدعياء الإمارة والشرف
+++++++++
قصيدة من أسمار الفقراء
عودة الطائفبة السياسية الإنتهازية البغيضة للحكم بعد انتخابات 1986 بفوزهم في دوائر الولاء الطائفي وهم لا يعرفون عن الشعب السوداني إلا وهم أتباع وهم الطبقة المقدسة والحكام الأبديين للسودان.
كتبت هذه القصيدة في ديسمبر ١٩٨٥ ونشرت عقب عودة الطائفية للحكم عبر صناديق انتخابات ١٩٨٦
أطلق عليها الأستاذ حسين خوجلي وقتها القصيدة الرصاصة وتداولتها المنابر الطلابية واركان النقاش وصحف المسيرة وصوت الجماهير والأسبوع والسوداني إلا الصحف التي كان يسيطر عليها اليساريون مثل الأيام والصحافة.
*******************
عفواً يا مولايَ أبيتَ اللّعنْ
فأنت السيِّدُ وابنُ السيِّدِ حتى يرثَ اللهُ الأرضْ…
يَحفظُكَ اللهْ
لن يعلوك غبارٌ…
من زحمتِنا في الأسواقْ
ولن يغشاك البردُ وحرُّ الصيفِ
ولفحُ الشمسِ ولا الأمطارُ ستهدمُ قصرَكْ !
بل يأتيكَ عليلٌ من ريَّاها
يعبثُ بالأستار بلطفٍ
يهمسُ في أذنيك العذرَ
إذا أزعجكَ هزيم الرعدْ
*****
ونحنُ هنالك في قريتنا
قربَ قصورِكَ قد أوصينا
كلَّ الجَوْعَى والفقراءِ
وكل المرضى والأطفالِ
بألّا يبكوا حين تنامُ
ليهدأَ ليلُكَ ياسيِّدَنا
*****
وأذكرُ أميْ……
قبلَ وفاةِ أخينا الأصغرِ بالدفتيريا
ذرعَتْ كلَّ الأرض وبحثتْ في هستيريا
وجدتْ……
أنّ دواء المرضِ القاتلِ
أغلى ثمناً من روحِ الإنسانِ
فوقفتْ قُربَ ضربحِ أبيكَ
وندَهَت جَدَّكَ
هَتَفَتْ باسمكَ
كي تنجدَها
أو تفزعَها مثل وميضِ البرقْ
لكنْ سبقَ الموتُ…. وعادت تبكيْ
يا مولانا، لم تسمعْها
عفواً……
معكَ الحقُ ومعك العذرْ
*****
زجاجُ القصرْ
وسمرُ السادةِ والأعيانِ
وأهلِ الرأي ومحبوبيكَ
ضجيجُ الخدمِ ومملوكَ
وحفلُ زواجِ السيِّدِ من سييِّدة من أهليكَ
همومُ البيتِ وإرثُ أبيكَ
تخومٌ حالتْ
دون نفاذ الصوتِ إليكَ
أبيتَ اللَّعنْ
*****
كفانا منكَ مذاقُ القبلةِ في كفيكَ
وسحر النظرةِ في عينيكَ
بهاء الطلعةِ والبركاتْ
شفاءُ المرضى
دون دواءٍ بين يديكَ
ورِّّيُ العَطْشى في الصحراءِ بماءِ وضوئِك يا مولانا
هل أرسلت إليهم منه ماء
فيه شفاء
أبَيْتَ اللَّعنْ
*****
كم جاءوكَ بما قد ملكوا
نذراً يُوفَى’ دونَ مِطَالْ
بعضُ التمر
وذخرُ العُمْرِ
ورَيْعُ الأرضِ
ومُدُ غِلالْ
كم قرباناً ذبحوا
رغم الفقرِ
وضيق العيشِ
فهل وفَّيتََ كما قد وفَّوا يا مولانا؟
أبيتَ اللَّعنْ
*****
قال فقيرٌ منهمو هاجرَ ذاتَ مساءْ
“دنيا لا يملِكُها من يَمْلِكُها
أغنى أهليها
سادتُها الفقراء” *
*****
عظماءُ الدنيا هُمْ أبناءُ الفقراءْ
كوخُ الفقراءِ تعشِّشُ فيه
آمنةً وتُغنِّي الأطيارْ
وتُتْلَى’ فيه الأذكارْ
ويُولَدُ فيه الثوّار
قصرُ السُلطانِ تُزيَّفُ فيه الأزهارْ
وتُرسمُ فوق الجدرانْ
وفي آنيةٍ ونُضَارْ
وتُغسُلُ ليلاً ونهارْ
كوخُ الفقراءِ تَفَتَّحُ فيهِ الأزهارْ
وتنمو بينَ الأحجارْ
وتحتَ السَّقْفِ المُنهارْ
وتًعْبُقُ ليلاً ونَهارْ
فرحُ الفقراءِ يَعُمُ القاصي والجارْ
فرحُ السُلْطانِ يظلُّ حبيساً بالدارْ
ويشاركُ فيه الحُرّاسْ
حُزْنُ الفقراءِ عميقٌ مثل الأبحارْ
غَضَبُ الفقراءِ قويٌّ جِدَّاً لو ثارْ
عفواً… عفواً مولايَ
أبيتَ اللّعنْ
*******
قال أبونا للسلطانِ الجائرِِ عند الفَجرِ وفوق رؤوسِ الأشهادْ :
كان أبوكَ فقيراً مثل الناسْ
يصنع من أشجار “التَنْضُبِ” عودَ الفاسْ
و”يفزعُ” مثلَ الناسْ
نِعْمَ الحاطبُ كان أبوكْ
أوقد ناراً للقرآنِ وعلّم كُلَّ الناسْ
نِعْمَ الحاطبُ كانَ أبوكْ
صنع المَرْكِبَ للأجيالِ فعبرتْ
من شطآنِ الذُلِّ لأرض العِزَّةِ والأمجادْ
نِعْمَ الحاطبُ كانَ أبوكْ
*****
ثَقَفَ العودَ براهْ
أعطى كل رجالِ البلدةِ رمحاً… رمحاً
رفع الرايةَ
أسْرَجَ خَيْلَ العِزَّةِ
رفع الرَّايةَ
دق طبول الغزوةِ
قادَ الجيش الظافرَ بالإيمان
دحر الحُكمَ الغامَ في الخرطومْ
نِعْمَ الحاكمُ صار أبوكْ
كان الشعبُ السيِّدَ وهو الخَادِمُ للأوطَانْ
نِعْمَ الحاكمُ كانَ أبوكْْ
كان يقولُ الحقَّ عفيفاً،
يُوفِي الكَّيْلَ ويقسطُ في المِيزانْ
نعمَ الحاكمُ كانَ أبوكْْ
عاش فقيراً رغم المُلْكِ وماتَ فقيرْ
شُيِّعَ ذات صباحْ
*****
قبرُ أبيكَ الآنْ …….
في أعماقِ الإنسانْ
قصرُ أبيكَ الآن…
أروعُ قصرٍ في الوجدانْ
عَرْشُ أبيكَ الآنْ
تاجٌ في رأسِ الأزمانْ
يا مولانا…….
ليتَ الملكَ يدومْ
وليتَ المجدَ يُورَّثُ بالميلادْ
غداً ستزولْ
ويغني كلُّ الفقراءْ
“دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها…..
سادتُها الفقراءْ”*
صديق المجتبى
أمدرمان
أبريل 1986
—————–
* المقطع للفيتوري من قصيدة ياقوت العرش