محمد جعفر عثمان .. شاعر الإبتسامة والوسامة

محمد جعفر عثمان .. شاعر الإبتسامة والوسامة

بقلم: أمير أحمد حمد

شاعر جمع في شعره بين الوسامة والإبتسامة وعشق عيون الحبيب للدرجة التي أحصى فيها رموشها وجعل من بياض لونها غيمة، وكتب فيها أحلى قصيدة، وتمنى أن تضمه عشة هادئة مصحوبة بفرحة، كيف لا وقد أسره بقوامه المياس وعيونه الكحيلة، هذه جعلت قلبه ينهدي إليها، فأصبحت حياته كلها ريدة للمحبوب، فجعل مكانه وسط الزهور فكان شبيها للقمر في (دورانه) وتمنى أن لا يعدي الهنا ويجعل الشجن قدره ولكن لم يدر أن المحبوب عنه صارف، فضاعت سنينه حسرة ولوعة وتمنى أن يكون عارفا بهذا الإنصراف حتى لا يكتب ما كتب. وأظنكم عرفتم هذا الشاعر المرهف الإحساس الأستاذ محمد جعفر عثمان، كتب جميل الأغنيات السودانية التي سيطرت على الساحة الفنية ردحا من الزمن ومازالت تتبختر في روض المغنى السوداني الوريف لأنها اكتملت فيها كل أركان الأغنية من لحن وأداء وشعر. وقد بث كلماته المشحونة بالشجن والرومانسية عبر حناجر ساهمت في انتشارها بين المستمع السوداني المتذوق للفن الأصيل.

 

وشاعرنا محمد جعفر عثمان سبقته أغنياته قبل أن تعرفه العامة، رغم أنه بدأ مع الكبار فبدا مع الفنانة عائشة الفلاتية، ومع الملحن الكبير برعي محمد دفع الله، فكانت باكورة انتاجه أغنية أشواق أو (ليه أخاف عليك):

ليه أخاف عليك أنا
نار حولي وإنت نور حوليك
وحياة حبي وحنان قلبي
تعال قربي أشوف عينيك
ما بخاف عليك
ونفوز بسرور وتشجينا طيور
تنعشنا زهور علشان خديك ما بخاف عليك

وأردفها بأغنية عيد الأضحى وأغنية بمناسبة زيارة الرئيس النيجيري إلى البلاد. والأغنيات الثلاثة من ألحان برعي محمد دفع الله وتعتبر الفنانة الفلاتية هي من اكتشفت موهبته الشعرية حيث كان يقرأ لها الأغنيات المكتوبة لأنها كانت تجهل القراءة والكتابة لأنه جار لها بالحي (العباسية)، وقد سبقه في هذا الأمر الفنان حسن ضرار، إبان سكرتاريته لإتحاد الفنانين برئاسة الكاشف
آنذاك.
وهذه البداية مع الكبار أكسبته ثقة في نفسه وإنداحت أغنياته بين الفنانين، ولعل تجربته مع الفنان الكبير زيدان إبراهيم والملحن عمر الشاعر هي الأخصب في حقله الفني فأنتجت محصولا سمعيا كبيرا بين المتعطشين للنغم والكلمة الوسيمة والصوت الشجي، فكانت أغنياتهم كثلاثي، قد انتشرت للدرجة التي جعلت بعض المعجبين أن يكتبوا عناوينها على ظهور المركبات العامة والخاصة، فكانت أغنية غربة وشجن، ووسط الزهور متصور، وأسير حسنك يا غالي، وحنين ياليل، وأخونك التي نالت نصيب أوفر من الإنتشار:

أخونك ..
هل تصدق أخونك
ما أظن تصدق أخونك
لو شافت عيونك
إيه حاصل بدونك
دي الدنيا بقت عدم
والفرح من غير نغم
والسعادة بقت وهم
والحلوة من غير طعم
وبرضو تصدق أخونك
يا سلام على ريدي
خلاك بقيت سيدي
لو الأماني بإيدي
كنت أهديك عيوني
وأسقيك من وريدي

كلمات جميلة ولحن أجمل وأداء مبهر. ومن أغنيات شاعرنا الجميلة أغنية ما كنت عارف يا ريتني كنت عارف، فقد تم عرضها على زيدان فلم يتغن بها وذهبت إلى عبد العزيز المبارك. ولكن حقيقة هذه الأغنية أنها تغنى بها الفنان المظلوم وإبن الموردة بهاء الدين أبوشلة، وسجلها رسميا للإذاعة بصوت فخيم وجميل وموجودة بصوته في مكتبتي، ولكن حضر نفر من زملاء عبد العزيز المبارك منهم محمد الأمين إلى بهاء الدين وطلبوا منه أن يتنازل عنها للفنان الجديد، ويقصدون عبد العزيز المبارك فتنازل عن طيب خاطر لأنه كان منشغلا عن الفن بالوظيفة. وبعد ذلك توزعت أغنياته بين مجموعة من المطربين حيث غنى له عثمان مصطفى بأغنية آسرني يا مياس.
وكذلك عبد العزيز المبارك أيضا بأغنية أحلى عيون بنريده والريدة الخالدة، كذلك غنى له تاور بأغنية متناسي لم يكتب لها الإنتشار. وكذلك غنى له شرحبيل أحمد أغنية البمبي ويا قمر أهواك، وكذلك غنى له علي اللحو من ألحانه أغنية أفراح سنيني وغنى له الفنان إبراهيم حسين أغنية عشناك غنا وكذلك الفنان عز الدين عبد الماجد أغنية عدى الهنا مر وخلى الشجن قدري من ألحان الفاتح كسلاوي والأستاذ نجم الدين الفاضل بهجة أيامنا وغلاتا، كما غنى له السقيد بين حواجبك وبين عينيك، وكذلك امتد تعاونه حتى وصل عمار السنوسي وأسامة الشيخ.
مهم أن نشير بأن شاعرنا مولده في أم درمان العباسية شرق ١٩٣٦م. ودرس بمدرسة بيت الأمانة الإبتدائية وأم درمان الأميرية المتوسط وعطبرة الثانوية، ثم المعهد الفني درس محاسبة.
بدأ العمل في بنك باكليز إلي أن تحول إلى بنك الخرطوم ثم بشركة السير ماكدونلز للمحاسبة في شارع الجامعة، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية وعمل في شركة الراجحي الصرافات لمده ٤ سنوات ثم عاد واشتغل في بنك عمان المحدود إلى أن تغير إلى بنك المشرق. وقد توفي في ١٣ سبتمبر عام ٢٠٠٥ وترك من الذرية الإبن ربيع وأمنية وإيناس وأرملته ملكة بابكر، ربنا يمتعها بالصحة والعافية وأن يرحم ويغفر للشاعر محمد جعفر عثمان ويسكنه فسيح جناته.
وأشكر الإبن ربيع لتوفيره لشخصي بعض المعلومات الأسرية والفنية.