منى الخير .. صاحبة الصوت الفيروزي

منى الخير .. صاحبة الصوت الفيروزي
بقلم: أمير أحمد حمد
مني الخير رائدة من رائدات الغناء النسوي في السودان، حباها الله بصوت استطاعت به أن تحتل مكانا عليا في نفوس ومعجبي الفن السوداني الأصيل وخاصة وقد سبقتها أصوات من بني جنسها وخشيت أن يضل صوتها ولا يصل إلى المستمع السوداني. جاءت وظهرت بعد الفنانتين عائشة الفلاتية وفاطمة الحاج، ولكنها استطاعت أن تثبت أقدامها بصوتها الجميل، صوت شبه في حينه بصوت المغنية العربية جهيرة السيرة فيروز، فكان صوتها حقا فيروزي الخامة، فكانت القامة الأعلى بين نديداتها فنيا في ذلك الزمان.
بدأت منى عبدالله علي وهو إسمها الحقيقي الغناء وهي إبنة أربع عشرة سنة، فقد بدأت بترديد أغنيات البنات وأغنيات التم تم التي كانت سائدة في ذلك الزمان، وقد ظهر إيقاع التم التم في أمدرمان في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي عن طريق تومات كوستي رغم أنه كان موجود قبل هذه الفترة، كانت تحمل أغنياته كلمات مبتذلة ولكن ظل إيقاعه محببا للمستمع السوداني إلى يومنا هذا، وعمد مجموعة من الشعراء إلى تبديل كلماته المبتذلة إلى كلمات تتناسب مع الذوق العام، منهم الشاعر سيد عبدالعزيز وعبد الرحمن الريح.
كانت الفنانة منى الخير متأثرة بالفنانة رابحة خوجلي الشهيرة برابحة تم تم التي، كانت تصحبها في كثير من حفلات الأفراح وبيوت الأعراس في العاصمة. وفي واحدة من هذه الحفلات استمع إليها الملحن العظيم خليل أحمد عبدالعزيز وأعجب بجمال صوتها وراهن عليه بأن يكون له شأن عظيم، وقد كان
وجه لها الدعوة بأن تحضر إليه في نادي الخرطوم جنوب لضمها لفرقته وتعتبر الفنانة منى الخير أول عنصر نسائي ينتمي لفرقة الخرطوم جنوب، وكان للملحن خليل أحمد الفضل في صقل موهبة منى الخير وتعليمها الغناء الحديث، وقد اعترفت منى نفسها بفضله عليها. وتعتبر أغنية الحقيبة مارأيت في الكون يا حبيبي أجمل منك في دلالك وتيهك وجهالة سنك هي أول اغنية عرف بها الناس منى الخير بصورتها وأسلوبها الحديث، وهي من كلمات عبقري الأغنية السودانية الأستاذ عبد الرحمن الريح. وذات الأغنية أول ماعرف بها الناس الشاعر والملحن عبد الرحمن الريح التي نظمها عام 1936وتغنى بها الفاضل أحمد ومن قبله عبقري الألحان السودانية كرومة وهي من أغنيات المجاراة والتي كانت سائدة في تلك الفترة، حيث جارى فيها ود الريح الشاعر عمر البنا في أغنية: النسيم الفائح طيبو من رياك
مر بي وضاعف شوقي لرؤياك. وقد تغني بها كثيرا الفنان أحمد يوسف. والمعلوم أن ود الريح جارى عمر البنا في أكثر من عشر أغنيات وإن شاء الله نفرد له بوست خاص إن مد الله في الآجال.
استطاعت الفنانة منى الخير أن تسجل بالإذاعة ما يربو على ال50 أغنية، تعاملت فيها مع عدد وافر من الشعراء والملحنين على رأسهم الشاعر إسماعيل حسن الذي غنت له أغنياتها الأولى مثل أغنية عشان هواك غنيت قمرية فوق الدوح وأغنية رسائل التي فازت بها منى الخير في واحد من المهرجانات النسوية عام 1958م، وغيرها. كما غنت من كلمات السر قدور والنعمان علي الله والسر دوليب وسعد الدين إبراهيم ومحمد علي أبوقطاطي، كما تعاملت مع عدد من الملحنين على رأسهم خليل أحمد وعلاء الدين حمزة وأحمد زاهر وغيرهم. كما لاننسى تعاونها الكبير مع الأستاذ عبد الرحمن الريح ودخولها مدرسة حي العرب الوترية، وقد منحها عدد من الأغنيات ظلت علامة بارزة في حياة منى الخير الفنية ولعل أبرزها أغنية (عيون المها) التي أبدعت في أدائها منى الخير، وقد قيل أن ود الريح كان مفتونا بجمال وأدب منى الخير وقد ألهمته كتابة العديد من أغنياته وعلى رأسها الأغنية أعلاه وغيرها، ونورد هنا نص أغنية عيون المها التي تغنى بها الكثيرون لجودة كلماتها ولحنها، وقد أبدع حقا في أدائها الراحل عبد العزيز العميري:
يا عيون المها ياعيون
ياعيون انت لون الليل
زي لونك سوادو كحيل
كلاهما أراهو جميل
زاهي صافي اللون
علمتيني كيف أهوى
يرتاح قلبي للنجوى
باسم الليل هدوء وسكون
الحب يامناي أشواق
وإنتي الورد وأنا اهواك
سبحان الذي سواك
وأهداك من بدايعو فنون
ياعيون فيك (منى) وأحلام
فيك للعاشقين إلهام
في صمتك رموز وكلام
يا عيون نظرتك إسعاد
للعاشق معاني بعاد
لمعانك أسرني وزاد
وفي أواخر سنواتها انتبهت الفنانة منى الخير إلى أنها لم توثق بدايتها وهي الغناء بأغاني الدلوكة، فدخلت إلى استوديوهات الإذاعة وسجلت عددا من الأغنيات باستخدام الدلوكة بمصاحبة الكورس النسائي زادت عن العشر أغنيات.
ويبقى لنا أن نشير بأن الأستاذة منى الخير من مواليد مدينة الخرطوم منطقة بري أبو حشيش عام1937وقيل أن جدها مؤسس حي أبوحشيش ببورتسودان، وانتقل بالإسم إلى منطقة بري أبوحشيش وقد توفيت في مستشفى الخرطوم عام 1980 وعمرها لم يتعد الثالثة والأربعين. ويقيني أن عمرها قصير ولكن على قصره تمكنت من وضع بصمتها على خارطة الفن السوداني، وأصبحت علامة بارزة ورائدة من رائدات الفن. نسأل الله أن يسكنها فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.