
منير شريف يكتب: المعركة الحقيقية: لا مجد إلا لمن يدفع ثمن بقاء الوطن
ما لم تقله النشرات
منير شريف
المعركة الحقيقية: لا مجد إلا لمن يدفع ثمن بقاء الوطن
في خطابه الأخير، لم يهادن البرهان. لم يراوغ كمن اعتادوا اللعب على الحبال. بل نزع القفاز وقالها كما هي، دون تلميح أو مواربة: “مافي مجد للساتك تاني، المجد للبندقية فقط.” كانت تلك الكلمات بمثابة قذيفة صوتية دوّت في الفضاء السياسي السوداني، خاصة في آذان من اعتادوا على صناعة الضجيج دون أثر، وتزييف المواقف تحت عباءة “الثورية”.
كان يخاطبهم، صراحة، بلا حواجز لغوية أو دبلوماسية: أولئك الذين ظلوا يزينون الهتاف على الأرصفة بينما الوطن ينزف، ويمنحون “المجد” لساتك محترقة لا تسمن ولا تغني عن دم، ولا توقف عدواناً، ولا تستعيد شرفاً مهدوراً. البرهان، بخبرة الميدان لا الميادين، قال إن المجد لا يُنحت على الأسفلت بل يُنتزع من فوهات البنادق التي تحرس تراب الوطن وتدفع فواتير البقاء نيابة عن الجميع.
الحديث لم يكن فقط عن “الساتك”، بل عن كل رمزية زائفة حاول البعض أن يحمّلها بطولة هي منها براء. إنه حديث عن أدوات المرحلة، عن الفارق بين من يحارب، ومن يزايد. من يرابط، ومن يغرد. من يسهر لحماية أهل دارفور، ومن يبيت يعد الإعجابات على منشور انفعالي لا يُسمن وطنًا ولا يحمي عرضًا.
البرهان دعا بصريح العبارة إلى أن يكون السودانيون بحجم التحدي. والمعركة – كما وصف – لم تعد معركة جيش ضد تمرد، بل أصبحت معركة كرامة وهوية، معركة وعي ضد استغباء، وموقف ضد خيانة.
وفي ختام كلمته، وضع حجر أساس لمرحلة جديدة حين قال: “وسنمضي حتى نقتص من كل من تسبب في ألم ودموع الشعب السوداني.” ليست هذه مجرد نبرة ثأر، بل وعد عدالة. وعد لا يقف عند حدود الخنادق بل يعبر إلى ملفات السياسة والإعلام والاقتصاد وكل من شارك، أو سكت، أو زوّر.
نعم، المجد للبندقية…
ليس لأنها أداة قتل، بل لأنها في هذا الظرف السوداني البالغ التعقيد، أصبحت أداة بقاء. المجد لها لأنها تقاتل لا لتبيد، بل لتحمي. المجد لها لأنها تحمل مع كل طلقة، صرخة أم، ونداء ثكلى، وحق طفل في العودة إلى مدرسته، لا إلى أنقاضها.
وهكذا، حين تتكلم البنادق في زمن الضباب، لا تعود “الساتك” رمزا، بل تمثالًا لرومانسية سياسية عفا عليها الزمن.
وكأن لسان حال البرهان يردد ما قاله السموأل بن عادياء، شاعر الجاهلية الذي ضُرب به المثل في الوفاء والفعل الصادق، حين أنشد في واحدة من أبلغ مقولاته:
“وإذا رأيتَ السيفَ في كفِ امرئٍ
فسَلْ به، لا تسلْ عن منطقِ الخُطَبِ”
بيتٌ يصلح أن يُعلّق على أبواب السياسة السودانية اليوم: فلا الخُطب أنقذت وطنًا، ولا “الساتك” حرّرت شارعاً