جرائم الإختطاف والإحتجاز القسري .. المليشيا تنتهك حقوق الإنسان

في استطلاع لمركز الخبراء العرب للصحافة ودراسات الرأي العام

 

جرائم الإختطاف والإحتجاز القسري .. المليشيا تنتهك حقوق الإنسان

اعداد: ألوان

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان بشكل خطير، وعلى رأسها جريمة الاختطاف والاحتجاز القسري التي تمارسها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين. آلاف الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، تم اقتيادهم من منازلهم وأماكن عملهم إلى معتقلات سرية تفتقر لأبسط مقومات الإنسانية. وقد توفي عدد كبير منهم في ظروف غامضة، دون أن تُعرف أسباب الوفاة أو مواقع الدفن. ورغم تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية تؤكد وجود تعذيب ممنهج، وعنف جنسي، وإعدامات خارج القانون، لا يزال هذا الملف غائبًا عن أولويات الدولة والمجتمع الدولي، في ظل صمت واسع من الإعلام، والجهات الحقوقية، والمؤسسات الرسمية. هذه القضية لم تعد مجرد شأن قانوني، بل تحوّلت إلى قضية وطنية ضاغطة في وجدان الرأي العام السوداني، تستدعي وضعها في صدارة أي مسار تفاوضي أو عدلي مستقبلي. وانطلاقًا من ذلك، أجرى مركز الخبراء العرب للصحافة ودراسات الرأي العام استطلاعًا لقياس اتجاهات الرأي العام السوداني حول هذه القضية، بمشاركة 63,567 مستجيبًا من داخل السودان وخارجه، عبّروا عن آرائهم ومواقفهم حيال تفاصيل هذا الملف الإنساني المؤلم. وجاءت نتائج الاستطلاع كما يلي:

 

+ الأسير والمختطف:

عند سؤال المشاركين عمّا إذا كانت هناك فروقات واضحة في المفاهيم القانونية بين “الأسير” و“المختطف”، عبّر 57% عن قناعتهم بعدم وجود هذا التمييز، وهو ما يعكس حالة من الغموض المفاهيمي قد تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الضحايا. بالمقابل، قال 17% إنهم يرون وضوحًا في هذا التمييز، بينما رأى 21.2% أن الوضوح موجود “إلى حد ما”، و4.3% لم يحددوا رأيًا، مما يعكس ضبابية متغلغلة حتى على المستوى الشعبي. وعند السؤال أيضاً عن الفروقات الأساسية بين الأسير والمختطف، مع اعطاء المشاركين فرصة اختيار أكثر من إجابة، أوضحت غالبية الإجابات 71.6% أن الأسير هو الذى يُؤخذ في سياق معركة، بينما يُختطف الآخر خارج أي مواجهة عسكرية. كما أشار 56.3% من ضمنهم من شارك في الاجابة الأولى إلى أن المختطف يُعد ضحية لجريمة، لا طرفًا في نزاع. و47.4% من ضمنهم من شاركوا في الاجابتين السابقتين أشاروا إلى أن الأسير تحكمه اتفاقيات دولية، ما يبين أن الوعي الشعبي بهذه الفروقات أكثر تقدمًا من الممارسات الرسمية. وعند إعادة السؤال بصيغة أخرى عمّا إذا كانت الجهات المعنية بهذا الملف تراعي هذه الفروقات في تعاملها مع الحالات، أكد 91.6% أن هذا لا يحدث إطلاقًا، وهو ما يرفع مستوى القلق والاحتجاج الشعبي، في حين قال 4.2% إن ذلك يُراعى “إلى حد ما”، و2.3% فقط أشاروا إلى مراعاة فعلية، وهي نسبة ضئيلة للغاية.

+ تقييم أداء الحكومة:

وعندما طُلب من المشاركين تقييم أداء الحكومة السودانية بأجهزتها المتنوعة في هذا الملف، وصفه 51% بأنه “ضعيف”، مما يعكس خيبة أمل عميقة تجاه تعامل الدولة مع قضية إنسانية ملحّة. فيما وصفه 16.8% بـ”المتوسط”، واعتبره 12.6% “جيدًا”، وأشاد به 9.8% فقط. وعند سؤالهم مرة أخرى عن مدى رضاهم عن جهود الأجهزة الحكومية، أعرب 73.7% عن عدم رضاهم، مقابل 17.8% فقط أبدوا رضاهم، في مؤشر على تآكل الثقة بين المواطنين والسلطات، فيما يلي التعامل مع هذه القضية. وحين طلبنا من المشاركين في الاستطلاع تقييم أداء المنظمات المحلية ودورها في قضية الاسرى والمختطفين، اعتبر 69.8% أن أداءها “ضعيف”، ما يشير إلى أن المجتمع يشعر بأن هذه المنظمات لم ترتقِ إلى مستوى التحدي الإنساني المفروض عليها.

+ المنظمات الدولية:

وفي ما يلي المنظمات الدولية ومنابر حقوق الإنسان واسهامها في هذه القضية عبّر 84.6% عن خبية أملهم البالغة تجاه هذه الجهات، معتبرين أنها تخلّت تمامًا عن دورها الأخلاقي، وصمتت عن مأساة بشعة تجري في العلن. وأن المنظمات التي تتغنّى بالعدالة والإنسانية، وقفت – أو بالأحرى سقطت – أمام هذه القضية، كأن المختطفين في السودان ليسوا من البشر. ولم يمنح أي مشارك تقييمًا ممتازًا، وهو تعبير صارخ عن فقدان الثقة، بل الإدانة الصريحة لهذه المؤسسات التي اختارت التجاهل الصريح على القيام بأدوارها.

+ الإعلام المحلي وإسهاماته:

دور الإعلام المحلي واسهاماته في تغطية القضية، كان أيضاً مثار إحباط، إذ رأى 45.3% أنه لم يقم بدوره، فيما قال 49.5% إن التغطية كانت محدودة، مقابل 3.7% فقط رأوا أنها كافية. بدا وكأن الإعلام – الذي يُفترض أن يكون صوت المقهورين – قد إلتفت إلى مواضيع أقل خطرًا، بينما قضى المختطفون لياليهم في الزنازين المعتمة، بلا ضوء، بلا صوت. كانت التغطية باهتة. ولدى سؤالهم عن دقة الأرقام المعلنة بشأن أعداد المختطفين، عبّر 87.8% عن اعتقادهم أن العدد الحقيقي أكبر بكثير، ما يعكس حالة من التعتيم أو التقصير في التوثيق الرسمي، بينما لم يرَ أي مشارك أن الأرقام المعلنة دقيقة. وعند سؤالهم عن أسباب عدم إعلان قوائم رسمية بالمختطفين، قال 53.5% إن السبب هو ضعف التوثيق، و37.6% أرجعوه إلى إهمال الجهات المسؤولة، و40.8% رأوه ناتجًا عن ضعف تفاعل الإعلام والمنظمات، مما يعكس تداخل الأسباب.

+ النيابة العامة:

 

عند سؤال المشاركين عمّا إذا كانت النيابة العامة قد فتحت بلاغات أو باشرت التحقيق، أجاب 42.2% بالنفي، بينما عبّر 46.4% عن عدم معرفتهم، وهي نسبة تدل على غياب الشفافية المؤسسية، مقابل 11.4% فقط أشاروا إلى تحرّك فعلي محدود. وعند سؤالهم ما إذا كانت النيابة قد دعت أسر المختطفين للإدلاء بأقوالهم، أجاب 49.8% بالنفي، و42.2% قالوا إنهم لا يعلمون، في مقابل 8.1% فقط أكدوا وجود مثل هذه الدعوات، ما يشير إلى تجاهل صوت الضحايا وأسرهم.

 

+ انتهاكات وممارسات همجية:

وعند سؤال المشاركين عن قناعتهم بتعرّض الأسرى لانتهاكات داخل معتقلات مليشيا الدعم السريع، أجاب 95.3% أنهم مقتنعون تمامًا بذلك. إنها ليست مجرد انتهاكات، بل ممارسات همجية تُمارَس على أجساد أنهكها الاعتقال، وعلى أرواح مهزوزة بالخوف. ما يحدث ليس مجرد احتجاز. بل هو سجن ممتد من الألم، وساحات تعذيب تُغلق فيها الأبواب ويُسد فيها الهواء. وأكدوا أن 88% يتعرضون للتعذيب، و87% للحرمان من الطعام والماء، و84.5% للإهمال الصحي، و71.3% للحبس غير الإنساني، و69.2% للاعتداءات الجنسية. إنها جرائم تُرتكب بلا محاسبة، وكأن أجساد هؤلاء لا تُحتسب ضمن البشرية.

+ جرائم حرب:

ووافق 98.1%، على أن ممارسات مليشيا الدعم السريع ترقى لجرائم حرب وهو موقف صارم لا يقبل التأويل، بينما رأى 1% خلاف ذلك، و0.9% لم يحددوا رأيهم. وعند سؤالهم عن إخفاء معلومات الوفاة، قال 95.8% إن هناك تعتيماً متعمداً. خلف هذا الاعتقاد تختبئ قصص موجعة عن موت بلا شهادة، وبحث يائس عن أثر، عن اسم، عن خبر. يموت المختطفون مرتين: مرة في الجسد، ومرة في ذاكرة لا يُسمح لها أن تحزن. ورأى 75.6% حق الأسر في معرفة تفاصيل الوفاة، لكن 23.4% لا يعتقدون أنه يُحترم فعلياً. خلف هذه الأرقام أمٌّ تنتظر، وزوجة لا تنام، وطفل يسأل ولا يُجاب. وعند سؤال المشاركين عن ضرورة محاسبة كل من تورط في الانتهاكات، بغض النظر عن الجهة، أيد 99.5% ذلك بشدة، في موقف شعبي موحّد لا يقبل المجاملة أو الانتقائية. إنها دعوة صريحة للعدالة الكاملة، للقصاص من كل من تجرأ على كرامة الإنسان، دون النظر إلى الشعار الذي يحمله أو البدلة التي يرتديها.

+ لجنة تحقيق وطنية:

وعندما طُرح سؤال حول تأييد تشكيل لجنة وطنية أو دولية للتحقيق في أماكن دفن المختطفين، عبّر 96.7% عن دعمهم المطلق. في بلد امتلأ بالقبور المجهولة، والقصص غير المكتملة، يبحث الناس عن شواهد، عن أي شيء يضع نهاية كريمة لأعمار انتهت في الصمت. وعند سؤالهم عن أهمية تضمين قضية الأسرى والمختطفين في أي مفاوضات مستقبلية، وافق 95.2%، في تعبير عن قناعة بأن لا سلام ممكن دون عدالة. لا يمكن بناء مستقبل على جثث لم تُدفن، وأصوات لم تُسمع. وعند سؤالهم عن تصعيد القضية إلى المنابر الدولية، وافق 95.2%، في خطوة تعكس فقدان الأمل في العدالة المحلية، والبحث عن من يسمع، من يشهد، من يملك ضميرًا لم يتآكل بعد.

 

+ حملات شعبية:

وعند سؤالهم عن إطلاق حملات شعبية أو حقوقية للمطالبة بالإفراج عن المختطفين، أيد 97.6% هذه المبادرات. إنها ليست مجرد حملات، بل صرخات في وجه الظلم، محاولات أخيرة لإنقاذ من تبقّى حيًّا خلف الجدران. وأخيرًا، في السؤال المفتوح الذي خُصص للتعليقات الشخصية، انطلقت الكلمات من قلوب دامية: رسائل من أمهات، وأصوات منفية، وأسماء تبحث عن قبور. لم تكن مجرد تعليقات، بل نداءات استغاثة تطالب بأن تُروى الحكاية… كاملة، وبصوت مرتفع، قبل أن ينساها الجميع.