مسيرات بورتسودان .. المليشيا تستهدف أمن البحر الأحمر

أمدرمان: الهضيبي يس

مع إكمال الحرب السودانية عامها الثاني، تتبدّى ملامح تحول جذري في أدوات وأساليب الصراع بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع المتمردة. فقد غادرت الحرب فضاءها التقليدي الذي تميّز بالاجتياح الأرضي والصدام المباشر، ودخلت طورًا جديدًا يمكن وصفه بـ”حرب الظلال”، حيث صارت الطائرات المسيّرة (الدرونز) هي اللاعب الأكثر تأثيرًا في مسرح العمليات. وفي الساعات الأولى من صباح الأحد استهدفت طائرات مسيرة مواقعا استراتيجية في مدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر.

+ الجيش يوضح:

وأوضح الناطق الرسمي للقوات المسلحة العميد ركن نبيل عبدالله بأن العدو استهدف صباح الاحد 4 مايو 2025م بمسيرات إنتحارية قاعدة عثمان دقنة الجوية ومستودع للبضائع وبعض المنشئات المدنية بمدينة بورتسودان، مشيرا إلى أن المضادات الأرضية تمكنت من إسقاط عدد منها، وأكد نبيل أن بعض من المسيرات المذكورة تسببت في إحداث أضرار محدودة تمثلت في إصابة مخزن للذخائر بقاعدة عثمان دقنة الجوية أحدثت إنفجارات متفرقة ولا إصابات بين الأفراد.

+ السعودية تدين:

وأعربت المملكة العربية السعودية عن إدانتها واستنكارها لاستهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في مدينتي بورتسودان وكسلا. وحذرت الخارجية السعودية في بيان، من أن الاستهداف يمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي والأمن الوطني العربي والأفريقي، وأضافت “نطالب بالوقف الفوري للحرب في السودان وتجنيب السودان وشعبه الشقيق المزيد من المعاناة والدمار”. وتابعت الوزارة “تجدد المملكة موقفها على أن الحل للأزمة هو حل سياسي سوداني – سوداني يحترم سيادة ووحدة السودان ويقوم على دعم مؤسسات الدولة السودانية”.

+ قطر ترفض استهداف المرافق والبنية التحتية:

وأدانت دولة قطر، استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في مدينتي كسلا وبورتسودان بجمهورية السودان، وعدته عملا منافيا للقوانين والأعراف الدولية وتهديدا خطيرا لأمن المنطقة. ووفقا لوكالة الانباء القطرية فقد أكدت وزارة الخارجية، في بيان اليوم، رفض دولة قطر القاطع لاستهداف المنشآت المدنية والمرافق الحيوية. وجددت الوزارة، دعم دولة قطر الكامل لوحدة وسيادة واستقرار السودان، ووقوفها إلى جانب الشعب السوداني الشقيق لتحقيق تطلعاته في التنمية والازدهار.

 

+ مصر تدين:

وأعلنت جمهورية مصر العربية إدانتها استهداف البنى الأساسية والمرافق الحيوية في مدينتي بورتسودان وكسلا فجر اليوم 4 مايو 2025، وشددت على ضرورة الحفاظ على مقدرات الشعب السوداني الشقيق، وعدم استهداف البنى الأساسية، والمرافق المدنية المختلفة، والحفاظ على وحدة واستقرار السودان الشقيق. وأكدت مصر في بيان لوزارة الخارجية، على أن إستهداف البنية التحتية المدنية يؤدي إلى الإضرار بجهود استعادة الإستقرار في السودان، ويعرقل مساعي تعزيز نفاذ المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب السوداني. ودعت مصر إلى وقف إطلاق النار حفاظا على مقدرات الشعب السوداني.

+ الكويت تستنكر:

وأعربت وزارة الخارجية الكويتية عن إدانة دولة الكويت الشقيقة واستنكارها للاعتداءات التي استهدفت المرافق المدنية الحيوية الضرورية لمدينتي (کسلا) و(بورتسودان)، مما يعد منعطفا خطيرا في الصراع. وجددت الخارجية الكويتية في بيان لها منشور على الموقع الرسمي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، مطالبة دولة الكويت المستمرة بعدم استهداف المرافق والمراكز المدنية والتي تشكل رافدا حيويا لحياة السكان. ودعت في الوقت نفسه إلى وقف إطلاق النار والالتزام بما جاء في إعلان جدة الصادر في 11 مايو 2023 والذي يؤكد على ضرورة حماية المدنيين مع المحافظة على استقلال السودان ووحدة أراضيه ودعم مؤسساته الوطنية.

+ تجاوز الصدمة:

ويقول المحلل السياسي ياسر محجوب ان بدايات المواجهات، كانت كفّة التفوّق العددي تميل بوضوح إلى جانب المليشيا، التي انتشرت بكثافة في العاصمة الخرطوم، وبلغ عدد أفرادها نحو مئة ألف، مقابل قرابة نحو أربعين ألفًا فقط من عناصر القوّات المسلحة، وكانت بنية الجيش تعاني من اختلال واضح، تمثّل في ارتفاع نسبة الضباط مقابل الجنود. ويضيف رغم هذا الاختلال، استطاع الجيش أن يتجاوز صدمة التمرّد المباغت، وامتصّ الضربة الأولى التي استهدفت مفاصله الحيوية، ثم شرع بسرعة في إعادة تنظيم صفوفه واستعادة زمام المبادرة. مؤكدا بأن أحد أهم عوامل التحول الحاسمة في ميدان المواجهة هو إدخال سلاح الطيران، فضلًا عن الطائرات المسيّرة كسلاح نوعي غيّر قواعد اللعبة. فقد مكّنت المسيّرات الجيش من تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت خطوط إمداد العدو، ومراكز القيادة، ومخازن السلاح، فضلًا عن تجمعات المليشيا المحصنة. وقال د. ياسر أن الاستخدام الذكي للتقنية الحديثة ساعد على شلّ قدرة العدو على الحركة والمناورة، وتحويل ميزة الكثرة العددية إلى عبء لا طائل من ورائه. فاستطاع تحويل كثرة عناصر المليشيا إلى “غثاء كغثاء السيل”.

+ تقليص النفوذ:

وأكد د. ياسر محجوب أن انتقال الجيش من وضعية الدفاع إلى شنّ الهجوم، مكنه من تقليص مساحة نفوذ المليشيا في عدة مناطق، مدمّرًا بنيتها الصلبة، ودافعًا بها نحو التفتت والتبعثر. مشيرا إلى أن فلول مليشيا الدعم السريع أصبحت عصابات تائهة تمارس النهب والترويع في أطراف متفرقة من البلاد، دون قدرة على خوض معارك نظامية. قاطعا بأن التطور الأبرز ويظل الأخطر في مسار هذه الحرب، تمثل في نجاح المليشيا مؤخرًا في الحصول على طائرات مسيّرة واستخدامها، ليس فقط في ضرب مواقع عسكرية، بل ضد أهداف مدنية وحيوية. فقد شنّت خلال الأسابيع الماضية هجمات على محطات مياه وكهرباء في مناطق تسيطر عليها الحكومة، ما يعكس تحوّلًا في طبيعة الصراع من معركة ميدانية إلى إستراتيجية “الأرض المحروقة”، الهادفة إلى تعطيل الحياة، ومنع عودة النازحين واللاجئين، وعرقلة جهود إعادة الإعمار والاستقرار وقطف ثمار الانتصار الجلي.

+ تصعيد خطير:

وشهدت البلاد في الآونة الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في هذا النمط من الاستهداف، إذ تعرّضت محطة كهرباء الشوك – 381 كيلو مترًا جنوب شرق الخرطوم – لقصفٍ مسيّرٍ في 18 يناير 2025، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن ثلاث ولايات هي: القضارف وكسلا وسنار. ولم تكد تمضي أيام حتى طال القصف محطة كهرباء دنقلا – 530 كيلو مترًا شمال الخرطوم – لتدخل الولاية الشمالية في ظلام دامس، كما شمل الاستهداف منشآت حيوية مثل سد مروي – 350 كيلو مترًا شمال الخرطوم – مما تسبب في تعطيل جزئي لإنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى تعرض كل من مطارات ولايات البحر الأحمر عند مدينة بورسودان، وكذا ولاية كسلا، ومدينة عطبرة بولاية نهر النيل لقصف عن طريق “المسيرات” وهو ما أحدث ضررا في بعض الموافق الحيوية. وامتد القصف كذلك إلى قطاع المياه، حيث أُصيبت محطة المنارة في أم درمان غرب الخرطوم، مما أدى إلى انقطاع المياه عن ثلاث محليات، كما أُصيبت محطة المياه الرئيسية في القضارف، وهو ما دفع الأهالي إلى استخدام مياه النيل مباشرة والآبار كمصادر بديلة، وسط شحّ حادّ وارتفاع في أسعار المياه.

+ تعطل حياة المواطنين:

وانعكست هذه الضربات بشكل مباشر على حياة المواطنين، إذ تعطلت المستشفيات والمخابز، وبعض منشآت الإنتاج الغذائي، فيما أبدى المزارعون في الشمالية خشيتهم من تعطل محاصيلهم المعتمدة على الري بالطاقة الكهربائية. وهذه الموجة من الاستهداف بالطّائرات المسيّرة تكشف عن نيّة مبيتة لإطالة أمد المعاناة، وتحويل الخدمات الأساسية إلى أدوات ضغط، تضع المدنيين في مرمى الحرب وتضاعف من كلفتها اليومية. وهذا التحوّل المريب يطرح تساؤلات مشروعة من أين حصلت المليشيا على هذه المسيّرات- وكيف تدير عملياتها المعقدة وهي تفتقر إلى البنية التقنية والعناصر البشرية المؤهلة. والإجابة المنطقية تشير إلى أن المليشيا لم تعد تقاتل بقدراتها الذاتية فحسب، بل تحوّلت إلى أداة في يد أطراف خارجية لها مصالح متشابكة في السودان، وتجد في هذه الحرب فرصة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، بأقل تكلفة ممكنة. وهنا يصبح الصراع أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. لم يعد الجيش يواجه تمردًا داخليًا محدودًا، بل يخوض معركة مركّبة ضد مشروع إقليمي ودولي يستخدم مليشيا الدعم السريع كواجهة قتال، فيما يظل اللاعب الحقيقي مختفيًا خلف الستار، يحرّك خيوط اللعبة، ويدير “حرب الظلال” عن بُعد.