الجنرال الطاهر إبراهيم .. الذكرى الجميلة

الجنرال الطاهر إبراهيم .. الذكرى الجميلة
بقلم: أمير أحمد حمد
سعادة الجنرال الطاهر إبراهيم واحد من الذين أحدثوا إنقلابا فنيا في مسيرة الأغنية السودانية. إنطلق هذا الإنقلاب من قاعدة حي العرب الفنية عبر الفصيلة الذرية، فكان الطاهر المخطط والمدبر، وكان الذري إبراهيم عوض هو المنفذ لهذا الإنقلاب الفني، فكان شعاره الإرتقاء بالأغنية الخفيفة ذات المضمون الهادف. وأول قذيفة خرجت من هذا الإنقلاب صوب الأغنية السودانية كانت لحظة خروجها عصية على مخطط ومدبر الإنقلاب الفني
(الطاهر إبراهيم)، فظل في قلق وتوتر دائم خشية أن يفتضح أمره ويفصل من العسكرية، وفي مخيلته ذلك الضابط، الذي كان يتمايل طربا حينما كان يستمع إلى إحدى الأغنيات فلمحه قائده، فقرر فصله من العسكرية. فخشي أن يناله ذاك المصير، فهو محب لعسكريته. الإنقلاب كان يحمل في طياته أمرا جديدا وهو الأغنية الخفيفة كاملة دون أن تكون كسرة في آخر الأغنية. تقبل المتذوق السوداني هذا الإنقلاب الفني، فكانت أول قنابله هي: (متين يا روحي نتلاقى فراقك نارو حراقة). وعندها زال التوتر والقلق من المدبر والمخطط الطاهر إبراهيم وزاد من قنابله الفنية الذرية، فكان الألق والإمتاع عبر القاعدة الذرية الفنية، فكانت أعز عزيز، وحبيبي جنني وغير حالي، ويا ملاذ أفكارنا، وغصبا عني، وفارقيه دربي، وياخائن، وغيرها من الأغنيات الرائعات التي عززت من مكانة إبراهيم عوض الفنية وجعلته رائدا من رواد الأغنية الخفيفة في السودان. تعامل الطاهر إبراهيم مع الإمبراطور محمد وردي فمنحه عملين، الأول عمل وطني مجد فيه الشعب السوداني، عندما أطاح، بحكومة الفريق إبراهيم عبود في ثورة اكتوبر عام 1964م، فكتب شعبك يا بلادي شعبك أقوى وأقدر من ما كان العدو يتصور، وهي من ألحان الطاهر إبراهيم. أما العمل الثاني كان عاطفيا أغنية حرمت الحب والريدة، وهي أيضا من ألحان الطاهر إبراهيم، حيث كان كجاره عبد الرحمن الريح يلحن كل أغنياته، فقد كان يجيد العزف على العود، وكان لا يميل إلى استخدام الريشة في عزفه عليه، بل كان يحب العزف مستخدما إبهامه.
الشاعر والملحن الرائع الطاهر إبراهيم كان يتمتع بصوت جميل للغاية لا يقل روعة عن مطربي ذلك الزمان، ولكن عمله بالعسكرية لا يسمح بالغناء نهارا جهارا، فضلا على أنه يتمتع بكاريزما تجعلك أن تتوهم بأنه صعبا في تعامله، رغم أنه يتمتع بقلب ينبض حنينا تمثل في كلماته وألحانه الراقية، وكان يذوب طربا حينما يستمع إلى اغنيات عثمان حسين فقد كان معجبا حتى الثمالة بعثمان حسين، وقد سعى أن يمنحه اغنية عزيز دنياي قبل أن يتغنى بها إبراهيم عوض عبر صديقه الشاعر السر دوليب، ولكن لم يتم هذا الأمر وعادت الأغنية إلى الذري الذي أبدع في أدائها. كذلك فعل عبد الريح الريح رغم اعجابه أيضا بصوت عثمان حسين وألحانه لم يمنحه عملا بالرغم من أن عثمان تغنى بألحانه وكلماته التي منحها للآخرين كأغنية الفريد في عصرك ومارأيت في الكون. وعندما سئل عن عدم تعاونه معه ذكر بأن عثمان رجل فنان وملحن بارع وأنا تعودت أن أقدم أعمالي جاهزة كلمة ولحنا، فإستحيت أن أقدم له عمل وأكتفيت بالإستماع إليه. وهذا في نظري تواضع كبير منه واحترام راقي للفن الجيد.
مر الشاعر الطاهر إبراهيم بفترة عصيبة في حياته وهي فترة فصله من الجيش الذي كان يحبه حبا جما وجعلته في حالة يرثى لها وذلك بعد إتهامه بالإشتراك في محاولة انقلابية عبر وشاية نقلت إلى القيادة العليا في، البلاد وقد زعم الكثيرون أن أغنية يا خائن التي كتبها عقب فصله من الجيش تعبر عن وصف الواشي بالخيانة ولكن لو تمعنا مفردات هذه الأغنية، تؤكد أنها أغنية عاطفية خالصة علما بأن الطاهر أعيد مرة أخرى للجيش، وقد أسر لشخصي الضعيف صديقي الذي تمنيت أن تستمر صداقتي به، ولكن قدر الله ومشيئته كان أقرب، سعادة العميد مصطفى حمد عليه الرحمة قبل وفاته بأشهر قليلة وهو شقيق الصاغ التاج حمد وإبن حي العرب وصديق شخصي للطاهر إبراهيم، أن أغنية كنت معاك سعيد والليلة في بعدك ما أضناني كتبها الطاهر بعد فصله من الخدمة وإعادته، وهي تعبر عن ما يكنه من حب للجيش وليست عاطفية كما يتبادر إلى أذهان الجمهور. والعهدة على الراوي في ذلك. ولا يفوتني أن أشير إلى تعامل الطاهر إبراهيم مع مطربين جدد غير جيل الرواد، فقد منح المطربة الناشئة نبوية الملاك أغنية مشتهى الأنظار، والفنانة عابدة الشيخ أغنية فات وفات. ومن آخر أعماله الشعرية التي كتبها رغم صراعه مع المرض كتب:
تعاديني وتتمادى أنا العمري ما إتخليت
ولا الزيي يتعادى
يفيدك أيه
استقرت بيك حياتي
لما هميت بإقتسامه
غيرت مسارها ودروبه
كسيت حله من الوسامة
كنت لبلوغ الأماني
نزعة الروح وإلتزامه
كنت للأزهار شذاها
وللجراحات إلتئامه
طوقت بالأفراح سنينها
وكنت فيها الإبتسامة
الرحمة والمغفرة للشاعر الطاهر إبراهيم الذي رحل عنا قبل سنوات قليلة ولجميع أموات المسلمين.