عاد النازحون وتطاول السمر والغناء والمديح حتى مطلع الفجر

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
عاد النازحون وتطاول السمر والغناء والمديح حتى مطلع الفجر
عاد النازحون بعد رحلة من العذاب والضنى والصبر الجميل إلى قرى الجزيرة بزاد قليل وزهد طويل وعلى ساحة القرية أطل القمر مرحباً وملأ المتسامرون أقداح الشاي بالحليب وأطلت (الزلابية) غير مبالية بماضي الذكريات، فقال الفنجري لأستاذ اللغة العربية إبن القرية المثقف الظريف: لقد مللنا معتاد الكلام فحدثنا بالفصيح عن أخبار العرب فإن لم نع الدرس لصعوبة اللغة فإن الجوار بالفطرة تفتح علينا المغاليق ولغة القرآن لا تخفى على أحد حتى وأن كان بالحرف جاهلاً. وابتدأ السمر والغناء والمديح لما قبل طلوع الفجر وذهبوا من توهم لمسجد القرية لصلاة الفجر وكما قال فضل الله محمد إبن الجزيرة وأنشد عبد العزيز دواد: (في حب يا أخوانا أكتر من كده).
الوزراء القادمون
لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود، فإذا فيهم وفد الحجاز، فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم فقال: ليتكلم من هو أسنّ منك، فإنه أحق بالكلام منك. فقال الصبي: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك، قال: صدقت فتكلم. فقال: يا أمير المؤمنين إنا قدمنا عليك من بلد نحمد الله الذي منّ علينا بك، ما قدمنا عليك رغبة منا، ولا رهبة منك، أما عدم الرغبة فقد أمِنّا بك في منازلنا، وأما عدم الرهبة، فقد أمنّا جورك بعدلك، فنحن وفد الشكر والسلام.
فقال له عمر رضي الله عنه: عظني يا غلام، فقال: يا أمير المؤمنين إن أناساً غرّهم حلم الله، وثناء الناس عليهم، فلا تكن ممن يغرُّه حلم الله وثناء الناس عليه فتزلّ قدمك، وتكون من الذين قال الله فيهم: «ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون». فنظر عمر في سن الغلام فإذا له أثنتا عشرة سنة فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه:
تعلم فليس المرء يولد عالماً
وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
فإن كبير القوم، لا علم عنده
صغير إذا التفّتْ عليه المحافلُ
من الردود المفحمة
قال طراد بن محمد: أن يهودياً ناظر مسلماً أظنه قال في مجلس المرتضى، فقال اليهودي: أي شيء أقول في قوم سماهم الله مدبرين- يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حنين؟
فقال المسلم: فإذا كان موسى أدبر منهم. قال له: كيف؟ قال: لأن الله تعالى قال: «ولّى مُدبراً ولم يعقِّب» «النمل الآية 10. القصص: الاية 31» وهؤلاء ما قال فيهم ولم يعقبوا. فسكت.
خذوا الحكمة من أفواه المجاذيب
خرج الرشيد إلى الحج فلما كان بظاهر الكوفة، اذا أبصر بهلولاً (الغرقان) على قصبة، وخلفه الصبيان وهو يعدو، فقال: من هذا؟ فقيل له: بهلول المجنون فقال: كنت أشتهي أن أراه فادعوه من غير ترويع، فذهبوا اليه وقالوا: أجب أمير المؤمنين، فلم يجب، فذهب إليه الرشيد، وقال: السلام عليك يا بهلول، فقال: عليك السلام يا أمير المؤمنين، فقال: دعوتك لإشتياقي اليك، فقال بهلول: لكني لم أشتق إليك. فقال الرشيد: عظني يا بهلول. فقال: وبم أعظك؟ هذي قصورهم وهذي قبورهم! فقال الرشيد: زدني فقد أحسنت! فقال يا أمير المؤمنين: من رزقه الله مالاً وجمالاً، فعفّ في جماله، وواسى في ماله، كتب في ديوان الأبرار، فظن الرشيد أنه يريد شيئاً، فقال: قد أمرنا لك أن تقضي دينك، فقال: لا يا امير المؤمنين، لا يقضى الدّين بدين،اردد الحق على اهله، واقض دين نفسك من نفسك، قال: فإنا امرنا ان يُجرى عليك، فقال: يا امير المؤمنين، أترى الله يعطيك وينساني؟ ثم ولى هارباً؟
قف عند هذه
أتى الغاضري يوماً الحسن بن زيد فقال: جُعلت فداك! إني عصيت الله ورسوله، قال: بئس ما صنعت! وكيف ذلك؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يفلح قوم ولّوا امرهم أمرأة، وانا اطعت امرأتي، فاشتريت غلاماً فهرب.
قال الحسن: فاختر واحدة من ثلاث: ان شئت فثمن الغلام، قال : بأبي أنت! قف عند هذه ولا تتجاوزها ! قال: اعرض عليك الخصلتين، قال: لا، حسبي هذه.
الحسن إنتهي من الجماعة
كان معاوية بن أبي سفيان جالساً في أصحابه فقيل له: الحسن بالباب، فقال معاوية: إن دخل أفسد علينا ما نحن فيه، فقال له مروان بن الحكم: إئذن لي، فإني أسأله ما ليس عنده فيه جواب، قال معاوية: لا تفعل، فإنهم قوم قد ألهموا الكلام وأذن له. فلما دخل وجلس، قال له مروان: أسرع الشيبُ إلى شاربك يا حسن، ويقال أن ذلك من الخُرق، فقال الحسن: ليس كما بلغك، ولكنّا.. معشر بني هاشم. أفواهنا عذبة شفاهها، فنساؤنا يُقبلن علينا بأنفاسهن وقُبلهن، وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههنّ وأنفاسهن عنكم إلى أصداغكم، فإنما يشيب منكم من موضع الغذار من أجل ذلك.
قال مروان: إن فيكم يا بني هاشم خصلة سوء، قال: وما هي؟ قال: الغلمة، قال: أجل، نزعت الغلمة من نسائنا ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم. فغضب معاوية، وقال: قد كنت اخبرتكم فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم، وافسد عليكم مجلسكم.
التسع لك.. فليدخل!
روى عن أشعب، إنه قال له بعض إخوانه: لو صرت إليّ العشيّة نتفرج؟ قال: اخاف إن يجئ ثقيل، قلت: ليس معنا ثالث، فمضى معي، فلمّا صلينا الظهر ودعوت بالطعام، فاذا بداقّ يدقّ الباب، قال: ترى إن قد صرنا إلى ما نكره، قلت له: انه صديق، وفيه عشر خصال ان كرهت واحدة منهن لم آذن له، قال: هات، قلت: أولها إنه يأكل ولا يشرب، فقال: التسع لك! قل له يدخل!
مالك بين الفتك والرقة
مالك بن الرَّيب المازني التميمي شاعر فاتك لص نشأ في بادية بني تميم عند البصرة يقول الشعر الرقيق الجيد، وينال الناس بالشر، فيطلبه الولاة، فيفر حتى اتخذه سعيد بن عثمان بن عفان والي خراسان من قبل معاوية، وعند قفولهما من خراسان مرض مالك، فقال يذكر مرضه وغربته ويرثي نفسه بهذه القصيدة.
تقُوُل ابنتي ، لمّا رأت طُول رحلتي٭ سِفارُك هذا تاركي لا أباليا
لعمري، لئن غالت خُراسان هامتي٭ لقد كُنتُ عن بابي خُراسان نائيا
فان انجُ من بابي خُراسان لا أعُد٭ إليها، وإن منّيتُمُوني الأمانيا
فياليت شِعري ، هل بكت امُّ مالكٍ٭ كما كنت لو عَالَوْا نعيِّكَ باكيا!
اذا متُّ فاعتادي القبور فسلّمي٭على الرّمس، أُسقيتِ السحاب الغواديا
على جدث قد جرّت الرّيح فوقه٭ تراباً كسحق المرنُباني هابيا
رهينةُ احجار وتُرب تضمَّنت٭ قرارتُها منّي العظام البواليا
فيا صاحبي، امّا عَرضَت فبلّغن٭ بني مازن والريب ان لا تلاقيا
وعطّل قلوصي في الرّكاب فإنّها٭ ستفلق اكباداً وتبكي بواكيا
أربع كلمات طيبات
خرج الزهري يوماً من عند هشام بن عبدالملك فقال: ما رأيت كاليوم، ولا سمعت كأربع كلمات تكلّم بهن رجل عند هشام، دخل عليه فقال: يا امير المؤمنين، احفظ عني اربع كلمات، فيهن صلاح ملكك، واستقامة رعيّتك.
قال: هاتهنّ؟ فقال
لا تعدون عدة لا تثق من نفسك بانجازها، ولا يغرنّك المرتقى وان كان سهلاً اذا كان المنحدر وعرا، واعلم أن للاعمال جزاءً فاتّق العواقب، وان للامور بغتات فكن على حذر.
وخزة
هنالك نكتة مشهورة ومتداولة بأن السوداني زار الصين وأصطحبه المرشد السياحي لمجموعة من المصانع الضخمة في شتى المجالات وحينما عادوا للفندق إلتفت الصيني للسوداني متسائلا: هل لديكم في السودان صناعة؟
فأجاب السوداني: نعم
فأردف الصيني قائلا: ماذا تصنعون؟
فأجاب السوداني: بنصنع من الحبة قُبة.
هذا هو المبتدأ المضحك، أما الخبر المبكي فإننا للأسف نصنع أيضا من القُبة حبة، وبهذا الاستسهال للكبائر وعظائم المصائب والغفلة والطيبة التي تماثل السذاجة والثقة الزائدة التي نوليها للأوغاد الذين لا يستحقونها، كل هذا وأشياء أخرى لا تقال (ودانا في ستين داهية).