في شهادة لله والتاريخ البروفيسور علي شمو يفتح أرشيف قلبه وعقله لـ (ألوان)

في شهادة لله والتاريخ البروفيسور علي شمو يفتح أرشيف قلبه وعقله لـ (ألوان) 2/1:

لاتوجد نسخة في السودان من نقاشات الملوك والرؤساء العرب في الجلسة السرية لمؤتمر قمة لاءات 1967م

الاحتفالات بالاستقلال تمت تحت مظلة إجماع وطني مشهود

عبد الماجد أبو حسبو أجبرني على محاورة أم كلثوم

هذه هي (….) قصة برنامج حقيبة الفن

++++++++++

حاوره بحائل: عبد اللطيف السيدح
ضيفنا اليوم هو رمز من رموز السودان، عين وزيراً ومديرًا ووكيلًا في حقب مختلفة، فإزدانت به المناصب، وانتفع بعلمه الوطن. إنه البروفيسور علي محمد شمو الذي لا يحتاج إلى تعريف. جلسنا إليه في مدينة حائل بالمملكة العربية السعودية، ففتح لنا أرشيفه وعقله وقلبه لننهل من معينه العذب، وها نحن ندون إفاداته شهادة لله والتاريخ، فماذا قال؟:

 

من هو علي شمو؟

أنا علي محمد شمو من مواليد 1932/9/29 والدي جعلي شعدينابي، وأمه فادنية فاطمة بت الفكي محمد بن علي الفكي ود الفادني، وود الفادني جدي، أما والدتي من البرياب وأجدادي علي ود بري والشيخ باسبار في منطقة البسابير، وهذا ما يعرف عند أهلنا السودانيين بـ “الخلطة العجيبة”.

بدايات المسيرة التعليمية؟

بدأت الدراسة في المعهد العلمي سنة 1944 وسنة 1949 سافرت إلى القاهرة في الموجة الأولى لإنفتاح الطلاب السودانيين على مصر وتلتها موجات كتيرة جدًا، وحدث هذا بعد زيارة وزير المعارف المصري آنذاك عبد الرزاق السنهوري، فنظم بعثات للسودانيين وفتح الباب واسعًا أمام الراغبين للدراسة في جمهورية مصر العربية، وتزامن ذلك مع الحراك السياسي في الخرطوم، فذهب كثير من الطلاب للجامعات المصرية جامعة فؤاد، وجامعة فاروق في الأسكندرية، وجامعة إبراهيم باشا أوما يعرف الآن بعين شمس، وجامع الأزهر الذي كان يضم عددًا من الأنظمة منها المعهد الثانوي الذي كان شبيهًا بالمدارس الثانوية، وكانت جامعة الأزهر تضم ثلاث كليات، اللغة العربية، والشريعة والقانون، وأصول الدين، وبالإضافة إلى ذلك كان هنالك التدريس التقليدي في جامع الأزهر في الصحن الكبير وكان هذا على النمط القديم، وهم عبارة عن طلاب يتعلمون بدون شهادات بل مجرد تعليم حر مفتوح على الطراز القديم. فالطلاب السودانيين ذهبوا لكل تلك الفروع، أما أنا فإخترت التعليم المنتظم ودخلت كلية الشريعة والقانون وتخرجت منها عام 1954 وعملت دراسات عليا ماجستير في كلية اللغة العربية وأكملت دراسة القانون المقارن في معهد الدراسات العربية العالي وفي نفس الوقت بدأت العمل في الإذاعة وذكرت في مناسبات عديدة حيث لم أكن مهيأ للعمل الإذاعي ولكن صدفة أتيحت لي الفرصة ودخلت إذاعة القاهرة بعد ثورة يوليو وواصلت في عملي وكنت أعتقد أنني سوف أعمل لفترة محدودة، قبل رجوعي إلى السودان وألتحق بمهنة التدريس معلمًا للغة العربية والدراسات الإسلامية، لكن شاءت الأقدار بعد عودتي لأجد كثيرًا من الناس يشيرون إلى أنني حققت نجاحًا باهرًا كمذيع ولابد من مواصلة المشوار، وضغطوا علي حتى أستجيب وقد فعلت، ومنذ تلك اللحظة انطلقت في الجانب الإذاعي والعمل الإعلامي بشكل عام.

حدثنا عن روعة مشهد الاستقلال؟

لاح مشهد الاستقلال الحقيقي صبيحة فجر الأحد 1 يناير 1956 وهذا كان اليوم المعين لكن إجراءاته تمت يوم 19 شهر 12 عام 1955 بإجازة 7 من المقترحات التي صارت معروفة لدى الناس، وقمنا وقتها أنا ورئيسي أبو عاقلة يوسف بنقل الحدث وبعد أن نقلنا الحدث الساعة السابعة صباحًا في البرلمان، ذهبنا للقصر الجهوري وهناك تم إلقاء خطاب الزعيم الأزهري وتنزيل العلمين المصري والإنجليزي الساعة 9 بالضبط وتسليم العلمين لباركر ممثل إنجلترا وعبد الفتاح حسن ممثل مصر بإعتبارهما ممثلين لدولتي الحكم الثنائي، وقام بهذا التسليم إسماعيل الأزهري وكان إلى جانبه محمد أحمد محجوب زعيم المعارضة، وتمت كل تلك الاحتفالات بعيد الاستقلال تحت مظلة إجماع وطني مشهود.

ما الذي حدث بعد تسليم العلمين؟

بعد أن انتهينا من الاحتفال بالقصر الجمهوري بحضور الزعيمين السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني وكبار رجالات الدولة وقناصل الدول الأجنبية لأنه لم تكن هناك سفارات في ذلك الوقت لأن الدولة لم تكن مستقلة بعد، وكانت توجد مكاتب فقط للقناصل، تحولت لسفارات بعد الاستقلال، وجاءت اللحظة التاريخية حيث استمع الشعب السوداني لأول مرة للخطاب الذي تلاه زعيم الحكومة المستقلة السيد إسماعيل الأزهري بعد رفع العلم وخاطبهم لأول مرة كرئيس للوزراء في خطاب مشهور جدًا للأمة السودانية التي نالت استقلالها قبل دقائق من الاستماع لهذا الخطاب وقد ألقى الزعيم خطابه من شرفة بلكونة الميزانية بوزارة المالية، حيث كان يوجد في تلك الساحة تمثال كتنشر، ونقلت هذا الحدث التاريخي المهم لوحدي وقد ترك أثرًا بالغًا ولا زال في وجدان الشعب السوداني.

ما الذي استهواك في الإذاعة؟

في الإذاعة بدأت العمل مثل بقية الزملاء لكن كنت ميالًا للجانب السياسي أكثر من جانب تقديم البرامج، لذلك ذهبت مباشرة مع أبو عاقلة يوسف حيث كان رئيسًا لقسم الأخبار “رئيسي يعني” وبعد فترة أصبحت نائبًا له ونقلت أهم وأخطر الأخبار التي أثرت في اللحظات الأولى في سياسات الحكومة، وكنت أيضًا أنقل الإذاعات الخارجية وذلك بيقين من الزملاء أن لدي ملكة للخطابة والإرتجال وأبرزما قمت به لأول إذاعة خارجية قبل الاستقلال لأني دخلت الإذاعة يوم 1955/2/2 وبعدها بأشهر بالضبط يوم 1955/8/14 نقلت احتفال من جامع الخليفة لتسليم القيادة من الجنرال “إسكون” للجنرال “أحمد محمد” وهو عبارة عن احتفال خاص بالقوات المسلحة فقمت بإذاعة مراسم الحفل والتسليم والتسلم، بمساعدة الأخ محمد العبيد والأخ موسى إبراهيم عبد الله على رأس الفنيين وهذا كان آخر نشاط جماهيري للحاكم العام قبل أن يغادر، وحقيقة كنت في حالة استغراب وفرح في ذات الوقت، كيف لشاب مبتدئ وبعد مرور بضعة أشهر فقط على تعيينه ودخوله المجال الإذاعي يستطيع أن ينقل حدثًا تاريخيًا بهذا بالحجم، والحمد لله توفيق رباني.

إيقاع برنامج “حقيبة الفن” لن يتوقف رنينه؟

برنامج حقيبة الفن له قصة طويلة جدًا طبعًا “عمله” المبدع العملاق صلاح أحمد محمد صالح وهو شاعر غنائي معروف وإذاعي عظيم وقد عمل في (البي بي سي) وهو من الفلتات التي مرت على الإذاعة السودانية وقصة البرنامج هو أنه عندما كان في لندن متدربًا طلبوا من المذيعين العرب أن يقدموا برامج عن بلدانهم لإغراء الناس حتى يرتبطوا بإذاعة بي بي سي العربية وطالبوهم كذلك بتقديم برامج عن الملحنين والمغنيين القدماء في أوطانهم، وقدم صلاح البرنامج عام 1954 بشكل مختلف جدًا وجذب مشاعر السودانيين نحو الغناء السوداني القديم وتم بعث هذا التراث وتقديمه بأداء فنانين حديثين وبمشاركة الأوركسترا وبأسلوب حديث وفي عام 1956 تعاقد صلاح مع البي بي سي كموظف رسمي وبعد تعيينه تحدث عن البرنامج وودع الجميع وأعلن أنه اختارني لخلافته لثقته الوافرة في قدراتي وعدلت فيه بعض الأشياء حيث كان البرنامج محصورًا فقط على الأوركسترا الحديثة لكن أشركنا بعض المطربين التقليديين كعوض شمبات وأحمد حسن جمعة لكي يؤديا بآلة “الرق” وأحدثنا تغييرات كثيرة أخرى واستمر البرنامج وجذب مستمعين بأعداد فاقت حد التصور، وبعد سنة ونصف من تقديمه نزلت إجازتي السنوية وسلمت البرنامج لمبارك إبراهيم لأنه كان شاعرًا وعاصر فترة الحقيبة، وكان يغني مع الفنانين القدامى وأسباب عدة كثيرة جعلتني أوكل له مهمة تقديم البرنامج له، وفيما بعد بدأ تاريخ الرجل وعلاقاته القديمة تؤثر على البرنامج جدًا ولأنه عاصر القدامى فأصبح البرنامج كله بـ (الرق) وجلب أخونا مبارك إبراهيم للبرنامج أولاد الموردة وإبراهيم عبد الجليل وعدد كبير من المطربين، واستمر البرنامج وتطور، وأصبح صلاح رمزا لحقيبة الفن وأنا خليفته ثم مبارك واكتشف الناس عللا إثر ذلك نوعًا جديدًا من الأدب وظهرت اهتمامات كثيرة من خلال البحوث والتنقيب والدراسات والغوص في أعماق تاريخ هذا الفن العجيب والتوثيق وجاءت تبعًا لذلك أشياء جديدة من الباحثين ومن كلية الدراما والموسيقى وصار الكل مستفيد من هذا السفر التاريخي التليد.

عام 1959 هاجرت إلى أمريكا؟

نعم لأنه تم اختياري للدراسة في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر من أعظم الجامعات في ولاية نيويورك وخاصة في دراسات الاعلام وأنا ذهبت لدراسة الإعلام الإلكتروني وقضيت فترة الدراسة ووجدت اهتمامًا شديدًا من أشهر أساتذة الإعلام في العالم وهو البروف “فوستر” وتنبأ لي بأن أكون”سكولار” في مجال الاعلام.

بعد العودة تم تعيينك كأول مدير للتلفزيون؟

فعلًا وقع الاختيار علي لأكون أول مدير للتلفزيون، ومنذ الوهلة الأولى لم أوطن نفسي على أنني مديرًا للأجهزة كبقية الزملاء الذين يتم استجلابهم من الخارج، فأنا مذيع قبل أن أكون إداريًا، لذلك كنت أقوم بالحوارات والمقابلات مع الشخصيات السياسية كحواراتي مثلًا مع الشريف حسين الهندي وإسماعيل الأزهري وعدد من الشخصيات الكبيرة التي مرت على تاريخ السودان، وكذلك الحوار الشهير الذي جرى مع كوكب الشرق أم كلثوم ذلك الحوار الإنفجار، لأن عبد الماجد أبو حسبو أصر على أن أجري المقابلة والرجل مديري وصديقي في ذات الوقت ولم أكن أرغب في إجراء الحوار لأنني كمدير للتلفزيون ماكنت أرغب في حرمان أبنائنا المذيعين الجدد من الفرصة وهم أكفاء لكن قبلت بعد إلحاح شديد.

بأي إمكانات تمت تغطية مؤتمر قمة 67؟

هذه من الأشياء المهمة في تاريخ التلفزيون ففي ذلك الوقت كنت مسؤولًا عن الترتيب لتغطية فعاليات مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة 1967 ومما يجدر ذكره أن كل المعدات والآلات التي تم بها تغطية فعاليات القمة ومؤتمر القمة بكل الوثائق السرية وخلافها تمت كلها بإمكانات التلفزيون لأنه عندما انعقد المؤتمر كانت إمكانات الإذاعة فقيرة جدًا، وكان عندنا في التلفزيون عربة متحركة عبارة عن أستوديو كامل وكان لدينا ميكروفونات ممتازة جدًا وبجودة عالية وعندنا كاميرات وسجلنا جميع الجلسات بحرفية وكنت أنا كمدير للتلفزيون، إضافة لمدير الشرطة في الخرطوم كان حاضرًا الجلسة هذه الجلسة السرية ونحن نقلناها من داخل القاعة وسجلناها في العربة تحت. ولم نكن حينها نرى الملوك والرؤساء ولا نسمع أصواتهم ارتفاعها وانخفاضها إلا من خلال مؤشر التسجيل، وما ذكر في الجلسة وما حدث من مشادات ومن ارتفاع الأصوات بين المؤتمرين نعرفه فقط من خلال المؤشر، وبعد انتهاء الجلسة سلمنا الأشرطة مباشرة لمسؤولي الجامعة العربية وكل الأحداث التي وقعت في القمة لا توجد منها أي نسخة أرشيفية في السودان، والجلسة السرية لا يعرف عنها أحد شيئًا سوى الملوك والرؤساء والقائمون عليها من موظفي جامعة الدول العربية.