في كثيرٍ من الأحيان الإختيار أفضل من الإبتكار

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
في كثيرٍ من الأحيان الإختيار أفضل من الإبتكار
“الاسلام يجُبُ ما قبله”
من المواقف التي ليست من اللطائف ما ذكر في كتاب الروض الانف حين فتح مكة واعلان العفو قال سلمان الفارسي الذي يمثل قارة آسيا في العهد الاسلامي الأول، وصهيب الرومي الذي كان يمثل قارة أوروبا، وبلال الحبشي الذي يمثل قارة افريقيا قالوا معترضين على العفو وهم يرون أبو سفيان سالماً وبقية جبابرة بدر وأحد: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها!
فاعترض عليهم أبوبكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم!
وقد تعود الأعاجم على الحسم الثوري وتعلم العرب على الإصلاح والمسامحة (وكل فيه خير كثير).
“جليلُ التأويل”
قال لعمر بن عبد العزيز بعض اصحابه:
إن الله يقول في كتابه: “كلوا من طيبات ما رزقناكم” وذلك في أثناء تشجيعه على تناول الأطعمة الفاخرة. فأجابه عمر:
هيهات! ذهبت به إلى غير مذهبه، إنما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطعام.
ولعل التعليق المناسب على تأويل حفيد الفاروق أنه ربما نظر لحال السودانيين فبارك (بوشنا) ودعى لسعة (حوشا) وفي قول أخر (حواشاتنا).
“ميثاق جامعة الدول العربية وقمة بغداد”
سأل الاسكندر حكماء بابل أيهما أبلغ عندكم العدل أم الشجاعة؟
فقالوا: (اذا استعملنا العدل استغنينا به عن الشجاعة)
ولو سأل حكماء جامعة الدول العربية لأجابوه: (ليس في مقرراتنا عدل ولا شجاعة، ولكن لا ضير أن تسألنا عن الظلم والجبن) وأرجو أن لا تقرأ سكرتارية الصياغة لقمة بغداد ما كتبناه فان حال الدم تفضى إلى الغم وما أكثر دماء المظلومين التي جرت تحت جسر بغداد ورصافتها.
“واقعيون”
لضرار بن عمر المعتزلي فتوى ذكية في حق (الأقليات) حيث قال: اذا اجتمع قرشي ونبطي- كمرشحين للخلافة- ولينا النبطي وتركنا القرشي، لأنه أقل عشيرة وأقل عدداً، فاذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته أهون.
أشتموه أو دعوه
وقبل أن يولى عمر بن عبد العزيز الخلافة افتى بحكمٍ راشد يصلح لميثاق الصحافة والمطبوعات ومعاملة المعارضين والخصوم إذا عادت الخرطوم.
فقد كان جالسا في حضرة الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي أُحضر له بأسير من الخوارج
فقال له: ما تقول في الحجاج؟
قال: وما عسيت أن أقول فيه هل هو إلا خطيئة من خطاياك وشرر من نارك؟ فلعنك الله ولعن الحجاج معك
فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز وكان حاضراً فقال: ما تقول في هذا؟
قال: وما اقول فيه؟ هذا رجل يشتمكم فإما أن تشتموه كما شتمكم وإما أن تعفوا عنه!
فغضب الوليد وقال لعمر: ما أظنك إلا خارجي.
“هتاف”
من الهدايا التي يستحقها الفريق أول ركن البرهان في هذا الظرف الاقتصادي الدقيق قول الحكيم: (عدل السلطان خير من خصب الزمان يا برهان).
“عدالة السماء”
من المقولات العقلانية للمعتزلة التي يحتاجها عقل المسلم المعاصر : (أن نعم الله على الكفار في الدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق) .
“ترمومتر الشره”
بلغ قطري بن الفجاءة أن لدى اصحابه من الثوار سبعين ألف دينار فشق عليه وقال: (ما ينبغي لمسلم أن يكون عنده سبعون الفاً.. هذه فتنة).
وبعد أن قرأت عبارة قطري مر بخاطري التعبير السوداني المتداول: (انت شفت حاجة؟).
“أي الرجلين أنا؟”
رأيت الكثير من الفضلاء والعلماء الذين يتجنبون القرب من الحكام إلا للضرورة القصوى ويحفظون عن ظهر قلب عبارة الزاهد الفقيه كلثوم العتّابي فقد سألوه يوماً لم لا تقصد السلطان فتخدمه؟
فقال: لأني أراه يعطي واحداً لغير حسنة ولا يد، ويقتل الآخر بلا سيئة ولا ذنب. ولست أدري أي الرجلين انا؟
“أبوه الزبير وأمه أسماء”
روى الزمخشري أن عمر بن الخطاب اجتاز بصبيان يلعبون: فهربوا من هيبته الا عبدالله بن الزبير،
فقال له عمر لم لم تفر مع أصحابك؟
قال: (لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقا فأوسع عليك)
وفي مثل هذا يقول أهلنا في الوسط: (الناجحة من عشها زوزايه) ومرت الأيام فكان عبد الله بن الزبير الذي تعرفه الدنيا ويتدبره الكون.
“اعتراف الكبار”
مر البحتري بجماعة من الشعراء فرأى بينهم صبياً
فقال له: أشاعر أنت؟
قال الصبي: نعم وإنني لأشعر منك!
فقال البحتري: هل تستطيع أن تجيز قولي:
ليت ما بين من أحب وبيني
قال الصبي: أتريد أن تقربه أم تبعده؟
قال البحتري: أقربه فقال الصبي:
ليت ما بين من أحب وبيني
مثل ما بين حاجبي وعيني
فطرب البحتري وقال: وإذا أردت أن أبعده فماذا تقول؟ قال الصبي:
ليت ما بين من أحب وبيني
مثل ما بين ملتقى الخافقينِ
فقال البحتري: حقاً إنك أشعر مني
ولأصحاب التوثيق الأدبي ترى من كان هذا الصبي عندما بلغ عمر الرشد وعمق التجربة ؟
“الفصل الأخير في مسرح الكبير”
أجد نفسي من أحباب قراءة التاريخ ودائما ما أقرأُ سيرة القادة والأمم من الفصل الأخير، ولي ولع قديم بالنهايات.
وما فكرت في توثيقه بالفصل الأخير في مسرح الرجل الكبير تلك التي تحكي نهايات العظماء والمشاهير والمثيرين للجدل، وأرى أنه لو رأى النور سيكون في ظني أعمق بكثير من وفيات الاعيان.
وقد استوقفتني طويلاً لو صحت نهاية سليمان بن عبد الملك الذي أردته أبيات شعر لجارية.
تقول الحكاية إن (سليمان بن عبد الملك) خرج من الحمام يريد الصلاة ونظر في المرآة فأعجبه جماله، وكان حسن الوجه، فقال: أنا الخليفة الشاب. فلقيته إحدى جواريه فقال: كيف ترينني؟ فتمثلت:
ليس فيما بدا لنا فيك عيبُ
عابهُ الناسُ غيرَ أنك فانِ
أنت نِعم المتاعُ لو كنت تبقى
غير أن لا بقاءَ للإنسانِ
ورجع فحُم (اصابته حمى) فما بات تلك الليلة إلا ميتا