الشيخ الطيب السراج .. بحر العلم والثقافة

الشيخ الطيب السراج .. بحر العلم والثقافة

بقلم: أمير أحمد حمد

الشيخ الطيب السراج ينتمي إلى أسرة السراريج، تلك الأسرة التي وفدت إلى السودان منذ العهد التركي المصري عام 1821 واستوطنت في أامدرمان وفي مدن السودان المختلفة، ولكن الغالبية العظمى كانت في أمدرمان . درس الشيخ الطيب السراج في الخلوة، ثم الأولية ثم الإبتدائية .
كان عالمًا وخبيرًا باللغة العربية والإنجليزية، يكتب الشعر باللغتين الإنجليزية والعربية ولكنه كان معتزًا بالعروبة لسانًا وجوهرًا ومظهرًا. كان يرتدي اللباس العربي بكامل تفاصيله. يمتطي حصانه في حله وترحاله كأنه عائش في العصر الجاهلي. عمل مترجمًا مع الإنجليز، فقد كان بارعًا في اللغة الإنجليزية كبراعته في اللغة العربية. كان لا يجامل مطلقًا إذا تناهى إلى مسمعه كلام به لحن في اللغة، ويبادر إلى تصحيح من أخطأ مهما كانت مكانته.
وصفه عباس محمود العقاد بأنه بحر متلاطم الأمواج في علمه وثقافته. كان يتمنى أن يكون عضوًا في مجمع اللغة العربية، وسافر إلى مصر من أجل ذلك، لكنه لم يفلح، رغم اقتناع أعضاء المجمع بعلمه في العربية، لأنه لم تكن له مؤلفات مكتوبة، وهي شرط أساسي في اكتساب العضوية، فقد كان الشيخ الطيب غير مهتم بكتابة وتدوين ما أكتسبه من علم ومعرفة. وفي عام 1954 عرض عليه الصاغ صلاح سالم إدارة إذاعة صوت العرب، ولكنه رفض ذلك بل كان حريصًا على اكتساب عضوية مجمع اللغة العربية. ويعتبر صالونه الأدبي من أوائل الصالونات الأدبية في السودان والوطن العربي، حيث بدأ في عشرينيات القرن الماضي. ويهمس بعض المهتمين بالمغنى السوداني بأنه كتب بعض أغنيات الحقيبة ونسبها لآخرين.
الشيخ الطيب السراج رغم صرامته وجديته في حياته، إلا أنه كان فكهًا ومرحًا، وحكيت عنه الكثير من الطرف بسبب تحدثه باللغة العربية في كل معاملاته، ومنها يحكى أن أحد الأشخاص قد طرق منزله وفتح له الباب الشيخ الطيب السراج بنفسه، وسأله الطارق قائلًا: (بيت طه ود الحسن بي وين)؟. رد عليه الشيخ الطيب السراج قائلًا: (أفرغنا من معرفة العلماء حتى نتعرف على الدهماء؟ أغرب عن وجهي ثكلتك أمك). هكذا كان تعامله مع اللغة العربية، وقد أثر تأثيرًا كبيرًا في أبنائه، حيث ساروا على نهجه في أفتتانهم بحب اللغة العربية، خاصة إبنه فراج الطيب عليه الرحمة، فقد كان يقدم برنامج لسان العرب في الإذاعة السودانية.
فارق الشيخ الطيب الحياة مقتولًا في منزله في عام 1963م عن عمر ناهز الـ 75 عامًا وهو المولود في عام 1888م. وقد أشار إلى هذا العمر تلميذه الشاعر محمد المهدي المجذوب الذي رثاه بقصيدة عصماء يذكر فيها مآثره ونبوغه وسعة علمه مكونة من 53 بيتًا، وقال فيها:

خمس وسبعون لم تفرح بمبتهج
فعلت ولم تظفر بمعتصم

وقد تضاربت الأقوال في مقتل الشيخ الطيب السراج، ولكن الراجح أن لصوصًا قد سطوا على منزله بغرض السرقة وقاموا بإغتياله وسرقوا أمواله.
رحم الله الشيخ العالم الفذ الشيخ الطيب السراج، أو (السراجي) كما يحلو له أن يطلق إسمه المنسوب إلى جده الأكبر الذي كان يحمل السراج (النور) على يده، ويسرج أو يضئ به الحرم المكي موطن أجداده.