برقيتنا للخواجة ترامب .. (إن شاء الله ما تنفعك)

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
برقيتنا للخواجة ترامب .. (إن شاء الله ما تنفعك)
نصحه أصدقاؤه في الجامعة بألّا يرتبط بتلك الحسناء؛ فهي جميلة وظريفة (وفي السوق)، لكنه أصرّ أن يواصل حبه العدمي المستحيل. ومن مصائب الاختلاط في الجامعات أن الصبيان نظريًا يستطيعون الزواج، لكن عمليًا يصبح الارتباط مستحيلاً، خاصةً وأن السكن (وقفة الملاح)، والأطفال لا يأكلون الشعر ولا الرومانسية.
لكن صاحبنا أصر على هذا الارتباط الرومانسي النظري، رافعًا شعار: «أنا صادق في حبك، لو قلبي يتصل بي قلبك، هذا مقصودي». وكانت الأمورة لا تبخل عليه ببعض السمر، والمشاركة في فطور الجامعة، وابتسامة الرفقة بالظرف الأنثوي المعهود.
إلى أن أطلّ صاحب السعادة المحظوظ؛ كان طبيبًا وشابًا وسيمًا في إحدى عواصم الخليج (جاهز، وعربية كرت، ولابس ليهو نضارات)، كما يقول الصراف شيخ شعراء الحلمنتيش. فاختطف الحبيبة المستحيلة وسافر إلى مرافئ السعادة، وبقي زميلُنا في منافي الشقاء. فتبدّل جسده من تمام الصحة إلى كمال النحول، واتّسخت ملابسه بالإهمال. ولا أجد عبارة لحاله أصدق من عبارة صديقه، الذي قال في تقرير قصير عن الحالة المرضية والنفسية لصديق عمره: «لقد أصبح ود الحاجة بعد الصدمة هشيمًا تذروه الرياح».
وبعد محاولات جادة وصادقة استطعنا أن ننتشله من حالة اليأس إلى حالة الحزن (والعافية درجات). رأيته يومًا يقف عند بوابة الجامعة وهو يراقب حبيبته القديمة، التي “تخونه” مع زوجها كما يدّعي. فتحت في يُسر باب سيارة العريس الفارهة وأغلقته بلطف، ومرت السيارة بجانب العاشق القديم، فتمتم بكلمات. وكنت حينها خارجًا من بوابة الجامعة، وكان المشهد أمامي جليًا وواضحًا. فسألته: لقد رأيتك يا ود الحاجة تتمتم بكلمات هامسة، والأميرة تمر بجانبك، ووجهها صوب الأعالي والنجوم، غير مبالية بوجودك. أستحلفك بالله أن تصارحني: ماذا قلت في التمتمات؟
فقال ضاحكًا، وكانت في الفتى بعض السخرية المدّخرة لمثل هذه المواقف:
قلت للعريس المحظوظ حين واجهني: “إن شاء الله ما تنفعك”.
وضحكنا طويلًا، وشعرتُ ببعض الارتياح أن صديقنا المكلوم قد بدأ يسير بنجاح على سبيل التعافي والشفاء من داء العشق القديم.
ويبدو أن مخزون الذكريات والحكايات السودانية يبقى دائمًا في الذاكرة، يساهم في التعازي الخاصة والعامة، خصوصًا لأهل الصحافة والإعلام والكتّاب وأصحاب السرديات والحكايات.
هنا طافت بخاطري حكاية وعبارة صديقنا العاشق المحروم، وأنا أرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يرفع يده مودعًا من مطار أبوظبي، عائدًا إلى واشنطن، وقد تآبط قرابة الأربعة تريليونات من الدولارات – أو بالأصح: (كان يتآبط شرًا) – لإسعاد الشعب الأمريكي.
وكان نصفها فقط يكفي لإطلاق مشروع مارشال اقتصادي وتنموي لنهضة العالم العربي: يسكن الجراح، ويزرع البطاح، ويعلن الكفاح، بحيث يصبح عبرها قوة ثالثة أو ثانية في العالم. لكنها لعبة الأمم والـ«إتاوات» على الذين يُصرّون على أن يظلّوا صغارًا عند عتبات الجغرافيا والتاريخ.
قلتُ حزينًا وأنا أرى الرجل والحقيبة وإغلاق الطائرة “السعيدة المنحوسة”، وأموالنا المنهوبة وهي تغادر:
“إن شاء الله ما تنفعك”.