د. ليلى زكريا .. عبقرية سودانية طوعت العلم لخدمة الوطن

د. ليلى زكريا .. عبقرية سودانية طوعت العلم لخدمة الوطن
بقلم: صلاح الدين عبد الحفيظ
من الشخصيات السودانية غير القابلة للنسيان هي تحديدًا تلك التي كان جهدها وبحوثها خالصة للوطن ورفضت بيعها لدول عديدة وجهات بحثية لهثت لشرائها كبراءة اختراع وهو ما جعلها على كل لسان . بمدينة الجبلين بالنيل الأبيض كان ميلادها في وسط المزارع وحقول الزرع وخير الأرض وهو ما ظل داخلها يمور حتي وفاتها. أحاطت العبقرية والتميز بالعالمة ليلى زكريا فكانت معلمًا من معالم الجهد العلمي الخالص لخدمة الوطن وأهله مما جعلها أحد أميز الشخصيات العلمية في تاريخ السودان.
دلفت إبنة النور والبحوث ليلى لمدارس الجبلين فكانت ذات أداء أكاديمي متقدم وسط قريناتها، فكانت محطة الدراسة الثانوية بمدرسة كوستي الثانوية التي أحرزت فيها درجات أهلتها للدراسة بجامعة الخرطوم لتبدأ بها مسيرة العلم والبحث والتميز.
أظهرت العالمة ليلى جهدًا واضحًا داخل الجامعة أهلها لتصبح من نوابغ الكلية التي كانت آنذاك من الكليات صعبة التحصيل الأكاديمي وهو ما كان أمرًا واضحًا لحياتها أثناء الدراسة الجامعية التي لم تكن لترتاح قليلًا حتى تجد نفسها قد أخترعت لنفسها جانبًا للبحث في جهد واضح لاكتشاف ما يجعل البحث العلمي ذو مكانة وصيت وهو ما نجحت فيه.
حين تخرجها من الجامعة لم تركن لحياة الوظيفة والعمل المكتبي أو الحقلي، بل عكفت على البحث والتقصي في مجال انتاج وزراعة قصب السكر وهو الأمر الذي أستغرق منها زهاء سبع سنوات حتى كلل جهدها بنجاح تجربتها المعملية والحقلية في إنتاج بذور قصب السكر الطبيعية ذات الإنتاج العالي .
نالت درجة الدكتوراة من جامعة مانشستر ببريطانيا في العام 1995 ومن عجب لم تنل إجازة ترتاح فيها من مشقة العمل المتواصل والبحث المستمر ولم تكتف العالمة الفذة ليلى زكريا بنجاحها في مضمار الزراعة، بل أمتد ذلك ليشمل اختراع طريقة علمية لإطالة أمد فترة الشباب بإكتشافها مضادًا للأكسدة يمكن أن يكون بديلًا مضمونًا لمادة البوتكس المستخدمة في عمليات التجميل.
ولقصة بذور إنتاج قصب السكر واقعة جعلتها تواصل الليل بالنهار حتى تصل لنجاح مذهل في اختراعه وهو حديث المشرفة بكلية الزراعة بقسم التقنية الحيوية إذ أخبرتها بضرورة مواصلة جهدها في البحث الخاص بإنتاج بذور قصب السكر الذي توقف الكثيرين من الطلاب والباحثين فيه لصعوبته فكانت الراحلة على قدر التحدي الذي جعلها تعيش أيامًا وشهورًا في صبر وتحدي حتى كلل صبرها بهذا الاختراع الذي جعل العالم يقف احترامًا لجهدها وصبرها
ومن نجاح لنجاح ومن تميز لتميز سارت العالمة ليلى في مشقة البحث وصعابه فأنتجت بحوث أخرى للمحاصيل التي يصعب أن تنفذ مثل البطاطا والموز والنخيل.
للراحلة مواقف عديدة تجاه التكسب المالي من بحوثها الكثيرة والتي سال لعاب عدد من المراكز البحثية في العالم للهيمنة عليها حتى تصبح حصرًا وحكرًا لهم ومن ذلك موقفها المشرف تجاه هذه الدول والمراكز البحثية إذ رفضت التعامل معهم ببيع هذه البراءات الاختراعية التي في نظرها لوطنها ومواطنيه في أكبر تضحية ونكران ذات من شخص يعرف قدر نفسه ووطنه.
تم تكريمها في عدد من الدول وهي الصين أمريكا والهند والبحرين وبريطانيا . وفي العام 2002 فازت بأفضل مشروع في الشمال والغرب على نطاق العالم بالبحرين.
شاركت الراحلة في أكثر من 22 ملتقى ومؤتمر بحثي داخل وخارج السودان، فكانت الشعلة المضيئة للبحوث السودانية مما جعل للسودان وجودًا فاعلًا في تلك المؤتمرات والملتقيات العلمية .
داخل اهتماماتها بالمياه اكتشفت مانعًا مضادًا للسموم والفطريات والطحالب في مياه الشرب.
في فبراير من العام 2015م رحلت العالمة الفذة ليلى زكريا مخلفة إرثًا علميًا لا يباد مع تأكيدها وأسرتها بأن براءة اختراعاتها خالصة لوجه السودان. وفي هذا لكم أن تتوقعوا كم المال الذي كان من الممكن أن تناله إن وافقت على بيع حق براءة اختراع واحد من اختراعاتها مثل اختراع بذور قصب السكر الذي أدهشت به العالم.
أمثال الراحلة يستحقون دوام تذكار بعمل اعلامي يخلد حياتهم ويحيط المتلقين بما كانت حياتهم وفي هذا فقد ساهم الزميل أحمد جبريل في تأسيس عمل اعلامي كان طموحًا وجهدًا منه لإنتاج فلم وثائقي عنها فكان أن وقف ضعف التمويل عقبة في طريقه وظل حلمًا يراوده وهو ما يجعل التواصل معه أمرًا مهمًا لإكمال ما بدأه لتوثيق حياة العالمة التي تستحق هذا العمل الإعلامي الوثائقي ويقيني أقل ما يمكن تقديمه لها هو هذا العمل الذي يقوم به الزميل أحمد جبريل.
الآن وبعد رحيلها الفاجع تظل أسرتها وزوجها وأهلها في موقف واضح غير مبدل له وهو المحافظة على إرثها العلمي والبحثي كخدمة للوطن دون مزايدة أو انتظار مقابل من جهة أيًا كانت، مع التأكيد بالسير على خطاها بعدم بيع براءات اختراعاتها لأي جهة كانت دولة أو مؤسسة بحثية وهو ما يجعل الدولة مطالبة بالحفاظ على هذا الإرث العلمي وإطلاق إسمها على مؤسسة بحثية أو جامعة بدلًا من إطلاق إسمها على فصل دراسي بمدرسة ثانوية بمنطقة كنانة حيث تقيم أسرتها فأمثالها يستحقون كل ذكر حسن في مواقع تتشرف بها.