سليمان محمد عبد الجليل .. شاعر الرحيل والنخيل

بقلم: أمير أحمد حمد
أناديلَكْ ..وأغنيلَك، بقدرِ خيوط مناديلَك
وطاقيتَك ..وجلابيتَك المكوية حد السيف،
وعمتَك التى مِتل الغمامة وكت ترِّك فى البيت
تفك أسرى النسايم من سجون الصيف ..
وتنتعش الأماكن بيك تفرهد ترتوى وترتاح ..
أرى الهبابة فى إيد المحبة جناح ..
وتتكبكب كبابى الشاى كأنك بينهن عريس،
تبشر فوقها بالافراح ..
حلاة الجمعة لو قيلت فى تلك البرندة خميس
لقيتك ياما فى دنياى عشم ..
سندة ومحطة وقيف ،
طليق .. وحبيس .
سريع الهمه والنجدة المشيها حسيس
لطيفاً تبسط اليدين ..
وتقراء الحوجة طُرفه لحظه
بالروشته إنتَ بتجرى ما بتستنى لى بعدين
وفى الافراح .. وفى الاتراح .. وفى العيدين
كانك إنت ده المطلوب .. وتستعجل سداد الدين
وداعاً ياخفيف الروح .. خطاك سبقن خطاى للميس
حليلك ضحكتك لسه بترن فى البال ،
وكت نلقاكَ عند الباب .. مُحمّل بالشذى الفواح
وكم بتذّكرك تنزل خفيفاً من طوابق فوق،
كأنك منحدِر حفيان .. شديد اللهفة والترحاب
وقلبك مكتب إستقبال بلا إستهبال،
حبال صوتك .. حبال صوت المودة إذا إستبدّ زمان
أمان زرعا هنالك فى سماهو سحاب ..
طِريتها قصيدة فى تِكّة نزيل بتجيك .. وتحت الكاب
مع ذلك بتاتاً ما إدعيت إنك معاى فى الراى،
بتاتاً ما سعيت تكسر مبادى غُناى ..
كذلكَ أصلو ما كليت .. ولا ملّيت .. ولا إتخليت
ولا سويتا حِجة تغيب
عيون قدام خطاى .. و ورأى
وذنبى هواى ليك ياموطنى، وغناى ..
وذنبى ولاى .. وإنك سيّدى ومولاى
تعيش ياذنبى طول ما عشت معاى ..
وحتى ولو فِضلت براى .
أناديك وأغنيلك بقدر خيوط مناديلك
عدد ما جيت .. ولا يحصى ،
و ما سويت .. ولن ينسى ..
عدد دقات فؤادى الحانى ..
مريم امى بت محمود ..واختى نوال عليهم رحمه الله،
كذلك زوجتى وبنتاى ..
وحشت اميرة مريم ومى .. وحشت غناى
فهل شكرا جزيلاً تكفى !
ما إستنيتَ يوم البتّة .. حتى، ولم تفكِّر ساى !
بس لكنى يا محبوبى عمرو ضميرى ما نساى!
محجوب شريف يرثى الشاعر سليمان عبدالجليل
ذلك الناقد الحصيف في نقده والوليف في وده والحنين على أرضه التي سلبت من أهلها وأغرقت كل شبر حتى مآذن المساجد لم تسلم من ذلك الفرق فغرقت المأقي بالدم بدلًا عن الدموع فكان الرحيل المر الذي جسده شاعرنا وناقدنا سليمان عبدالجليل في أغنية بثت عبر حنجرة المبدع حمد الريح وقد بدأت بكلمة حنينة ومحببة للشعب السوداني معبرة عن أحلى الذكريات (حليل) :
حليل أرض الجزائر
و المراكب والطنابير الترن
حليل.. ناس ليلى
ساعة.. الليل يجن
يا غالية.. يا تمرة فؤادي
الليلة ما عاد المراكب شرقن
و القمري فوق نخل الفريق
فاقد الأهل يبكي.. ويحن
نحمل رسائلنا وأشواقنا
لي حبايبنا.. و الأهل
و للقاطعين الرسائل
الأحلى من عسل النحل
لذات الضفائر الطائشة
بين مجلس عشيرة و بين أهل
وبخجل.. بتسأل الزائر
بلدنا..حبايبنا.. أهلنا
راحو للحلة لا بيكاتبوا
لا بيفيدونا.. الحصل
حليل الراحوا خلو الريح
تنوح.. فوق النخل
حليل الفاتو لدار الأهل
بدون.. أهل
الجروف الكابة من. شاطئ النهر
صااب.. المحل
والنخل متاكي وين صوت طيرو
ووجوج.. في أمل
يا أمل
هكذا دون أستاذنا سليمان محبته الصادقة لمنطقته (وادي حلفا) معبرًا عن جموع أهله، وقد أبدع حمد الريح في أداء الأغنية. كان حمد الريح من المقربين لسليمان عبد الجليل فمنحه أغنيتين منها الوصية التي تقول كلماتها:
كالسواقي النايحة وسط الليل
حنين الدنيا ممزوج في بكاها
زي طيوراً
في الفروع محتارة بتفتش جناها
البيوت والناس بتسأل عن صبية
فارقت حلتنا زي طيراً غريب سافر عشية
ما حرام ماضيك يصبح ليك أسية
يا سلام لو كان جفاك بي حسن نية
كنت نسيتنا الوصية
المفارق عينو قوية
لا سلام منك وما منك تحية
للوراك خليتو عايش في الأسية
ما حرام يا الفنجري ما تسيب وصية
قمت زي طيراً غريب سافر عشية
ما قبيل وصوني يا حليل الوصية
دابو صدقت المفارق عينو قوية
أوعه ليل الغربة ينسيك
ريحة الطين في جروفنا
والتميرات البهبن ديمة راقصات في حروفنا
والدعاش والغيم رزازاً في العصير
بالفرح بلل كتوفنا
أنحنا راجعين في المغيرب
وقد كتب هذه الأغنية في زوجته فاطمة الفنجري وهم في فترة الخطوبة حضر إلى زيارتهم فوجدها قد سافرت وهذا السفر من الأسفار الجميلة التي جعلت أستاذنا سليمان يكتب هذا الكلام الجميل الأنيق العبارة. أما الأغنية الثالثة هي مساخة الحلة أيضا تغنى بها حمد وتعتبر هذه الأغنيات الثلاث عقد منضودًا في جيد مسيرة حَمد الريح الفنية. كذلك غنى سيد خليفة من كلماته أغنية:
ألـو منو أهلا سـلام يطيب عـمـرنـا وسوسنو عــرفـت صـوتـي
بتسألني عليك هواي ده سؤال شنو وإنتي اللي زيك قلبو
مـا بيستأذنو يا عمرو يـا أحـلامو يا دارو العزيزة ومـوطنو
هواي ده سؤال شنو يا ستي يا ست البنات اتجننو
أيضًا كتبها في زوجته عندما اتصل عليها وتسأله ألو منو رغم أنها تعرف صوته مستنكرًا منها هذا السؤال، وللأسف تم تحريف قصة الأغنيات التي غناها حمد الريح البعض ذكر بأن للشاعر ثلاث من البنات كتب فيهن هذه الأغنيات مع العلم بأن ذرية الناقد والشاعر سليمان عبدالجليل كلها من الذكور لم يرزق بأنثى وأولاده هم الحاردلو وغسان ومحمد وحسام.
الاستاذ سليمان لم يكتب من الأغنيات سوى الأغنيات الأربع المذكورة أعلاه لأنه كان منشغلًا بالصحافة الرياضية ثم الصحافة الفنية والنقد، فقد كان نقده صادقًا لم يسيئ لفنان قط ومن صدقه يحكي عنه ترباس: (إنو نكون بنتعشى معاهو وهو شغال بيكتب فى العمود بتاعو . تاني يوم اشتري الجريدة ألقاهو رادمني ردم الجن). وهذا منتهى الصدق.
سليمان عبد الجليل كان سببًا بنقده امتلاك الفنانين لأعمال فقد إنتقد الأستاذ علي االحو في مقالاته حينما كان اللحو في البداية الأولى فخاطبه قائلًا (الشوال الفاضي عمرو ما بقيف على جيلو) فإنتبه بعد ذلك النقد إلى الأعمال الخاصة.
كانت علاقته متينة بشاعر الشعب محجوب شريف ودائمًا معه في المنزل وعندما تم اعتقال محجوب لم ينقطع عن زيارة والدته مريم وتفقد أحوالهم وأسرة محجوب الصغيرة وعندما توفي سليمان عبد الجليل رثاه محجوب بالقصيدة المذكورة في أول المقال.
كذلك كانت علاقته كبيرة بالشاعر إسماعيل حسن وعندما يكون إسماعيل خارج البلاد يرسل له القصائد ليمنحها لمن يشاء من الفنانين، رغم ذلك سليمان عبد الجليل كتب مقالًا في مجلة الصباح الجديد متسائلًا: (من صنع الآخر وردي أم اسماعيل حسن)؟. كانت هذه العبارة بداية الشرارة التي إندلعت بين وردي وإسماعيل، والغريب كان ينوب عن وردي في الرد على إسماعيل حسن الشاعر مرسي صالح سراج صاحب نشيد يقظة شعب، ومن أشهر اللقاءات الصحفية التي أجراها كانت مع الحاجة سلامة زوجة خليل فرح وقد كان معجبًا بخليل فرح أيما إعجاب.
ويبقى أن نشير إلى أن الشاعر الناقد سليمان عبد الجليل من مواليد حلفا عام 1941 وكان موظفًا بوزارة التجارة وتقلد عدة مناصب إلى أن وصل وظيفة مدير العلاقات العامة بالوزارة.
انتقل إلى مثواه الأخير في ١٦ اكتوبر ٢٠٠٩ بعد معاناة مع المرض (الشلل الرعاشي). نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء. والشكر للأخ الحاردلو إبن الشاعر الذي مدني ببعض المعلومات.