هل ما زال السبت كالأمس زاهياً ومخضراً؟

ولألوان كلمة
حسين خوجلي
هل ما زال السبت كالأمس زاهياً ومخضراً؟
+ أدركت أمريكا أخيراً أن هنالك ٤ ثوابت يمنية لا تستطيع أن تكسرها: الإرادة والأرض والجبال والبحر فلملمت طائراتها ورحلت. وتركت إسرائيل وحيدة تعاند في ضرب هذه الثوابت، ولكن لا تجني إلا الخزي والعار والهزيمة. وتظلُ المسيرات اليمنية المباركة تدك ساحات مطار بن غوريون ستجعل منه بقعة جرداء تعافها الطائرات والمسافرين، وتجعل ملايين الإسرائليين في تل أبيب وما حولها يهرعون صباح مساء صوب الملاجئ كالجرذان المسمومة.
تقول إحدى حكايات التراث أن أميراً عربياً مستبداً خرج إلى حدائق في أطراف بغداد وكان في صحبته شاعر وفقيه لا يخشى في الحق لومة لائم وعندما جلسا للسمر والمنادمة ضربت نحلة نشطة وجه الأمير المستبد وأبت أن تفارقه برغم أنه ظل يضربها بكلتا يديه فما إن تغادر حتى تعود فقال غاضباً وقد إلتفت صوب الفقيه متسائلًا: لم خلق الله النحل؟
فرد الفقيه: في إبتسامة مطمئنة ليذل بها أنف الجبابرة.
ولكأني بنتنياهو في اجتماع مجلس الحرب يقول غاضباً لوزراء القتلة من اليمين الصهيوني لم خلق الله الصاروخ ذو الفقار اليمني؟
يأتي الجواب سريعًا من المناضل والمجاهد اليمني والناطق الرسمي بإسم الجيش والشعب يحيى سريع: خلق الله صاروخ ذو الفقار اليمني نحلة يذلُ بها أنف الجبابرة والقتلة والسفاحين.
+ طفلة سودانية مليحة خرجت لتوها من قيد الأسرِ في الصالحة يبدو على وجهها الرهق والخوف والأسف على ساحاتٍ كانت حتى بالأمس القريب مسرحاً لتلاقي الصديقات، يمرحن في طلاقة صوب المدارس. ورغم الجوع والمهانة والثياب الرثة إلا أن كل هذه المصاعب لم تستطع أن تضيع تلك الملامح الطيبة والجمال الطبيعي الحلال.
ولكأني بها ترسلُ برقية لومٍ وعتاب للعواصم الإفريقية والعربية وتذكرهم بدمعها المسكوب، كيف تناسيتم السودان الجريح والمقتول والمغتصب والجائع؟ كيف تجاهلتم الخرطوم سيدة اللاءات الثلاثة والعون غير المحدود للثورة الجزائرية والشعب الليبي وباتريس لوممبا؟ وجواز سفر مانديلا حين عزت عليه البطاقات والهويات؟ كيف تجاهلتم خرطوم حرب القنال؟ والوقوف بشرف لصالح النضال الفلسطيني والقضايا المركزية لقوى الخير والسلام في كل قارات العالم؟ كيف تناسيتم مسيراتها الحارة وتظاهراتها الصاخبة ضد الظلم والقهر والإستعمار؟.
كان لسان حال الطفلة المخبوء بالمعرفة القادم يجلد أروقة الجامعة العربية، وقد حورت قليلًا أغنية سيف الدسوقي بصوت الجابري الفياض من الحنين والشجن في رسائل الشوق السوداني الجهير:
مافي حتى (مسيرة) واحدة
بيها نتصبر شوية
والوعد بيناتنا إنك كل يوم
(تحزن) عليا
هل يجوز (والجفوة) حارة
(بالرصاص) تبخل عليا
أما النص الحقيقي فيبقى أبدا حارًا في قلوب ومناديل ودموع العشاق والمحاربين.
+ مما يشدني للأدب الشعبي في مقاماته المختلفة المديح والغناء بمناحاته ونسيبه ومراثيه وحقيبته والدوبيت أن صدقه يتدفق من واقعيته وملامسته للواقع والناس والأشياء. ومما أستدل به في هذا المقام أن الشاعر القومي الكبير ود شوراني كان يزور أسرةً يحبها وتحبه في إحدى البنادر، وكان الرجل يرمي بصره على واحدة من حسان الأسرة ولم يكتب له الزمان القاسي (القسمة) زارهم مرة والمكان معتكر بإنقلاب عسكري وحظر التجوال شائع في التلفاز والإذاعة وفي الصحف وما يتداوله الناس. أكرموا الرجل وبدأ الأنس وهو يقرأ شعره بزهوٍ وسط الأسرة الكريمة وقد كان يفتعل (تكسير الدقايق) حتى جاوزت الساعة ميقات حظر التجوال فحمل عكازه الشهير وأحكم ثوبه وعمامته وهم بالمغادرة مودعاً فقالت له الملهمة في لطف: أن هذا زمان حظر التجوال والخروج في هذا الوقت يا شيخ العرب يعرضك للمساءلة وربما الإعتقال، وآزرها في ذلك الأهل. ظل ساهرًا معهم حتى مطلع الفجر وسط تحالف الشاي بالنعناع والدوبيت المفصح وقد وثقها عليه الرحمة بهذا المربع:
غفر الساعة واحد حام وأنا لقيت هَوّي
فوق الرمشو إجرح ونور بسيمتو يكوّي
الخلاني ما بنلام قدر ما أسوّي
خمد خيت الضلام وأصبح خديدو يضوي
ترى هل مات في سودان الحزن العميم والخرطوم الأطلال بقية للشعر والفرح والغناء؟ الإجابة صعبة بعد رحيل كل المبدعين في الحضر والبوادي وفي مقدمتهم ود سند وود شوراني