منا الحاشية ومنهم المتون

ولألوان كلمة

حسين خوجلي

منا الحاشية ومنهم المتون

 

حاتم الأصم واليهودي

حكي أن العارف والمجتهد وصاحب التفسير حاتم الأصم دخل بغداد فقيل له إن هاهنا يهودياً غلب العلماء فقال: أنا أكلمه.
فلما حضر اليهودي سأل حاتماً عن أي شيء لا يعلمه الله. وأي شيء لا يوجد عند الله وأي شيء ليس في خزائن الله وأي شيء يسأله الله من العباد وأي شيء يعقده الله، وأي شيء يحله الله. فقال حاتم: الذي لا يعلمه الله هو شريكه ولا ولده، فإن الله لا يعلم له شريكاً ولا ولدا، والذي ليس عند الله هو الظلم «ان الله لا يظلم الناس شيئا» «يونس: الآية 44» والذي ليس في خزائنه هو الفقر «والله الغني وأنتم الفقراء» «محمد الآية 38».
والذي يسأله الله من العباد القرض «من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسنا» «البقرة الآية 245» والذي يعقده الله هو الزنار «هو الحزام» للكفار، والذي يحله الله هو ذلك الزنار عن أحبابه، فأسلم اليهودي بإذن الله تعالى (فيا أهل الإسلام إن كان عندكم كل هؤلاء العلماء وكل هذا الأثر من البيان فلماذا لا تدعون اليهود إلى الإسلام بدلًا من أن تدعوهم للأموال).

 

تناظر الوليد بن عبدالملك ومسلمة

 

تناظر الوليد بن عبدالملك ومسلمة أخوه في شعر أمرئ القيس والنابغة في طول الليل أيهما أشعر. فقال الوليد: النابغة أشعر، وقال مسلمة: أمرؤ القيس، فرضيا بالشعبي القاضي الفقيه حكمًا، فأحضراه فأنشده الوليد قول النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ
وليس الذي يرعى النجوب بأيب
وصدر أزاح الليل عازب همه
تضاعف فيه الحزن من كل جانب

وأنشده مسلمة قول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف اعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا نجل
بصبح وما الاصباح منك بأمثل
فيالك من ليل كأن نجومه
بكل مغار الفتل شُدت بيذبل

فطرب الوليد طرباً شديداً، فقال الشعبي: بانت القضية. (والضحك والإبتسام يكفى دائماً عن الإجابة).

 

الجاحظ ومجنون بالكوفة

 

قال الجاحظ:
رأيت مجنوناً بالكوفة فقال لي: من أنت؟
قلت: عمرو بن بحر الجاحظ
قال: يزعم أهل البصرة إنك أعلمهم.
قلت: إن ذلك ليقال
قال: من أشعر الناس؟
قلت: أمرؤ القيس
قال: حيث يقول ماذا؟ قلت:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
قال: فأنا أشعر منه
قلت: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:
كأن وراء الستر فوق فراشها
قناديل زيت من ورام قرام
فأينا أشعر؟ قلت: أنت، قال: فأيهما أقوى الريح أم الماء؟ قلت: الريح قال: لم تصب، قلت: وكيف؟ قال: يقع الثوب من الماء فيبتل في طرفة عين ويبسط في الريح فلا يجف إلا بعد ساعات، أصبتُ أم أخطأت؟ فقلت: أصبت. (وعلى علم الجاحظ بالأدب والفقه والحياة إلا أنه دائماً ما يكتشف إن من غمار الناس من يفوقه والسيط كما يقول أهل المعرفة رزق من الله).

 

المأمون وسهل بن هارون

 

كان المأمون استثقل سهل بن هارون، فدخل عليه يوماً، والناس على مراتبهم فتكلّم المأمون بكلام ذهب فيه كلّ مذهب، فلما فرغ من كلامه أقبل سهل بن هارون على الجمع فقال: ما لكم تسمعون ولا تعون، وتشاهدون ولا تفقهون، وتفهمون ولاتتعجبون، وتتعجبون ولا تنصفون؟ والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير ما فعل بنو مروان في الدهر الطويل، عربُكم كعجمكم، وعجمكم كعبيدكم، ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء؟ فرجع المأمون فيه عن الرأي الاول. (أي أن فصاحة سهل بن هارون قد نقلته من ضيق الثقلاء إلى رحاب الظرفاء فعليكم بالعلم حتي تغيروا راى السلاطين).

 

أربع كلمات طيبات

 

خرج الزهري يوماً من عند هشام بن عبدالملك فقال: ما رأيت كاليوم، ولا سمعت كأربع كلمات تكلّم بهن رجل عند هشام، دخل عليه فقال: يا امير المؤمنين، احفظ عني اربع كلمات، فيهن صلاح ملكك، واستقامة رعيّتك.
قال: هاتهنّ؟ فقال لا تعدون عدة لا تثق من نفسك بانجازها، ولا يغرنّك المرتقى وان كان سهلاً اذا كان المنحدر وعرا، واعلم أن للاعمال جزاءً فاتّق العواقب، وان للامور بغتات فكن على حذر.(والله أنها لأربع تفوق الأربعين) .

 

حكم وأقوال

 

٭ كتب المنصور إلى جعفر الصادق: لم لا تزورنا كما يزورنا الناس؟ فرد جعفر: ليس لنا من الدنيا ما نخافك له، ولا عندك من الآخرة من نرجوه له، ولا أنت في نعمة فنهنئك ولا في نقمة فنعزيك.. فقال المنصور: بل تصحبنا لتنصحنا. فقال جعفر: من يطلب الدنيا لا ينصحك ومن يطلب الآخرة لا يصحبك. (وكان أهل البيت عند موافقهم حتي وأن أودت بهم إلى المقاصل والمقاتل).
٭ قالت جريدة باريسية: إن نصف أعضاء المجلس البلدي من اللصوص. وثار أعضاء المجلس البلدي وتم إجبار الصحيفة على الإعتذار فكتبت في اليوم التالى: نشرنا بالأمس أن نصف أعضاء المجلس البلدي من اللصوص، والحقيقة هى أن نصفهم ليسوا من اللصوص. (وللصحافة مخرجات ومخارج).
٭ التقى أحد خصوم الزعيم الأمريكي المؤسس لنكولن به في أحد ردهات الكونجرس ولما رآه صاح: تنح عن الطريق فإني ما اعتدت أن أتنحى للأوغاد.. فتنحى لنكولن وقال باسماً: أما أنا فقد اعتدت أن أتنحى لهم. (ولهذا أصبح رئيساً لأمريكا)