مصطفى عبد الرحيم .. (شمعة) في هوج الرياح

عواطف جياشة مليئة بالشجن

مصطفى عبد الرحيم .. (شمعة) في هوج الرياح

بقلم: أمير أحمد حمد

عمل ضابطًا للاسلكي في المطار ولكنه لم يضبط عواطفه الجياشة المليئة بالشجن والتي جعلت قلبه شمعة في هوج الرياح. نعم شمعة لم تقو على مواجهة تلك الرياح العاتية فإنطفأت هذه الشمعة وجعلت شاعرنا يعيش في ظلام عاطفي دامس وعاش في الحياة يتجرع من كأس اللوعة والألم وفي حقيقة الأمر أن جرعته كانت أكبر من احتماله فهام في ربا الأحزان، فجادت قريحته بحلو البيان. اختار من الكلمات مايهيج الأشجان فكانت هوج الرياح وأخواتها النواضر رغم احتشادها بأنغام حزينة ظلت أيقونة أغنيات الفنان أحمد الجابري وعموم الأغنية السودانية.

 

+ هوج الرياح :

هات يازمن..
جيب كل أحزانك تعال جيب المحن..
طول يا أسى وكتر ينابيع الشجن..
جرَعني كأس من لوعة من آلامي ما المحبوب خلاص..
خلاني ليك الليلة راح..
خلَف لقلبي الحسرة والشوق والجراح..
خلي النواح..
فات قلبي شمعة وحيدة في هُوج الرياح..
خلاني ليك أنا يازمن..
خلاني ليك راح يازمن..
وخلى الشجن..
الليل يهوّد بي ويبقى تلت أخير..
يطويني في رحابه الوثير..
أنا والظنون وعذابي والصمت المثير..
خلاني وحدي جناح كسير..
أنا والدموع والشكوى والليل والشجن..
رماني ليك أنا يازمن..
خلاني ليك راح يازمن..
وخلى الشجن..
من بعد ماعلمني ريد..
فجر عواطفي غنا ونشيد..
بدل مراير الوحدة والهم أحلى عيد..
علمني أبني حياتي من أول جديد..
أشرق في عمري هواه زي أجمل صباح..
وكساني بالآمال وشاح..
قلبي المتيم بيهُ بأحلامه باح..
تاه في رياضه الرائعة في جنة إستراح..
لكنه وين الليلة راح..
وأصبحت يا أيام حزين..
باكي العيون محتار أقول ماله الحنين..
إيه غيره بدل عواطفه صبح ضنين..
يمكن ظنون..!
يمكن خلاص أنا شك في قلبي الأمين..
قلبي المحال في يوم يخون..
قلبي الملآن حنية زاخر بالأمل..
ومهما حصل..
أملي الوحيد الحبه مكتوب في الأزل..
لايمكن أبداً مستحيل..
في يوم أميل..
لغيره وأعشق تاني زول..
مهما يكون بالود بخيل..
لو حتى يجرح قلبي بالهجر الطويل..
أنا برضي صابر يازمن..
جيب كل أحزانك تعال..
جيب المحن..
هات يازمن

كلمات مشحونة ومعطونة بالشجن الجميل، فشاعرنا المرهف محمد المصطفى عبد الرحيم إبراهيم (مصطفي عبد الرحيم) واحد من الذين جملوا الشجن والحزن كعروس في تمام زفافها وألقها فأضحت الأغنية الحزينة أجمل من الأغنية ذات المضامين التي تحمل الفرح والسرور.

 

+ تذكار عزيز:

مصطفى عبدالرحيم جعل من الجرح الأليم تذكار عزيز مع أن التذكار ارتبط بمفرحات وعزيزات الأشياء، وحينما صدح بها الذري إبراهيم عوض جعل التذكار أكثر عمقًا في وجدان المستمع السوداني. كلمات هذه الأغنية جعلت الذري يضن على ملحنيه بتلحينها وأبت نفسه إلا أن يضع لها لحن من روحه، فكان من جميل ألحانه على الإطلاق:

جرحي الأليم الشايلو تذكار
طول حياتي أسى وهموم
جرحي الدفين العذبك يا قلبي
طول عمرك أنين
داريتو في الأعماق سنين
غنيتو للعشاق حنين
شكوى وشجون
غنيتو أصدق أغنيات
أصبح مجرد ذكريات
وين الصلات وين الشموع
الفي دروبنا منورات
وبقت هموم
أصلو القلوب الهايمة تعبد في الجمال
بتضيع سنينها الحلوة بالريد إبتهال
ولهانة تحلم بالوصال
مسكينة تحلم بالمحال
لي متين بتبني قصور رمال
ما كفاية يا قلبي الجمال
خلاك تذوب شكوى وسهر
ودر شباب عمرك هدر
شال النضارالكان مفرهد ومزدهر
خلا الشقا وخلا اليباب
الكل ثانية بعيشو لحظات من سراب
أحسو في روحي إغتراب
أحسو شوق وشقا وعذاب
نار في الضلوع وجرح أليم

 

+ جنة ونار:

 

نعم جرح أليم أصبح تذكار اخترق جوانحه وأستقر في قلبه المحتار والمفتون والمظلوم والمشتاق والمجروح
هكذا وصف قلبه حينما فاضت مشاعره وأخرجت لنا أولى أغنياته التي صدح بها إبن حيه الفنان حسن الجلال (حي العرب)عام ١٩٥٧ أغنية جنة ونار:

قلبي يامحتار ليه هويتم ليه
شفت جنة ونار كان نصيبك أيه
قلبي يا مفتون ليه هويت أزهار
ليه عشقت عيون في العيون أسرار قلبي يا مظلوم المحبة عذاب تشتكي يامهموم والأماني سراب قلبي يا مشتاق في إنشغالك زيد
أحكي للعشاق أيه لقيت في الريد
قلبي يا مجروح تبني ليه أوهام هل نصيبك في الهوي آلام
كلما تشكي في ليالي نواك
كل آهة تحكي قصة من ذكراك

ظل قلبه يحمل كل هذه الصفات ولكنه ظل ثابتًا لم يتغير ولكن تغير غرام روحه ونسى العشرة والإخلاص وأصبح ظالمًا بعد أن كان أمل حياته وزهوره اليانعة وقد فعلت هذه الأغنية في شاعرنا العجب حينما كان حضورًا لبروفات الأغنية مع الفنان زيدان إبراهيم كلما صدح زيدان بعبارة بحبك آه بحبك تنهمر دموع شاعرنا ويزداد أنينًا على أنينه. هكذا حال الصادقين في مودتهم وعشقهم ووفائهم لا يتحملون الأنغام الشجية فتهتاج مشاعرهم.

+ حي العرب:

ليس غريبًا على شاعرنا مصطفى عبد الرحيم أن يأتي بهذه الدرر لأنه ولد في وادي عبقر (حي العرب) حيث الدنيا باسمة والأيام طرب. عاش بين شعراء إمتلأ جوفهم بالنغم يكتبون الأغنية لا بأقلامهم بل بريشتهم على صفحات العود أمثال ود الريح والطاهر إبراهيم وكبار شعراء الحقيبة عبيد وسيد والقائمة تطول . عاش شاعرنا في الفترة ما بين ١٩٣٣و١٩٨٩ وكانت معرفته لليراع والقرطاس حينما ولج إلى مدرسة المسالمة التي تتوسط حي العرب بالضبط أهلته للأهلية الوسطى بأمدرمان وبعدها انطلق في مسيرته العملية بالبريد والبرق ثم بمطار الخرطوم ضابطًا للاسلكي كما ذكرت في أول المقال وأخيرًا عمل صحفيًا بوكالة السودان للأنباء حتى وافاه الأجل المحتوم في ٢٦/يونيو/١٩٨٩ قبل اندلاع ثورة الإنقاذ بأربعة أيام. نسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته وأن يجعل الخير في ذريته والتحية لإبنه يسري المتواجد بسلطنة عمان وقد أمدني بصورة من والده وهو بزيه الرياضي فقد كان لاعبًا ماهرًا في كرة القدم كبراعته في كتابة الشعر.