عادل عبد العاطي: العقوبات الأمريكية خطوة مستعجلة وغير متوازنة

الرئيس السابق لحملة سودان المستقبل عادل عبد العاطي لـ (ألوان):
العقوبات الأمريكية خطوة مستعجلة وغير متوازنة
الغرب يريد استقرار السودان ولكن على طريقته
تعيين رئيس وزراء مدني خطوة جيدة ويجب أن تكون هناك رغبة سياسية قوية في الإصلاح
يجب أن تتخلى قحت وصمود عن النهج المعادي للسودان
العقوبات تزيد الضغوط على المواطن
حوار: مجدي العجب
بعد قرارات وزارة الخارجية الأمريكية الأخيرة التي تتعلق بالسودان بانت التقاطعات الخارجية والتعقيدات التي تتعلق ببعض الصعوبات التى تواجه الدبلوماسية السودانية وكذلك الدولة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا. ولكي نقرأ هذه التعقيدات بوضوح ومن ثم نبحث عن الدواء الناجع لكل ذلك، حاورت (ألوان) الرئيس السابق لحملة سودان المستقبل عادل عبد العاطي حول ملف العلاقات الخارجية، وخرجنا بالحصيلة التالية:
كيف تقرأ العقوبات الأخيرة التي إتخذتها الإدارة الأمريكية في حق السودان؟
أراها خطوة مستعجلة وغير متوازنة، تعكس حالة الإرتباك في السياسة الأمريكية تجاه السودان. هذه العقوبات جاءت في وقت حساس، بينما يحاول السودان استعادة سيادته الداخلية وتحقيق الإستقرار، ويتم تعيين رئيس وزراء مدني كخطوة تستحق الاعتبار. العقوبات لن تحل الأزمات السودانية، بل قد تزيد الضغوط على المواطن العادي، بينما تعطي إشارات سلبية للقوى الإقليمية والدولية التي قد تستغل هذا الوضع. العقوبات أيضاً توضح ضعف الدبلوماسية السودانية، فقد كنا ولا نزال غائبين عن الوصول للإدارة الأمريكية والإدارات الأوروبية كما يصل لها خصوم السودان. الردود الانفعالية كرد وزير الإعلام لا معنى لها وهي استمرار لنهج لا يؤدي إلا إلى الفشل.
كيف أقدمت الإدارة الأمريكية على إتخاذ هذه الخطوة دون أن تتبع الإجراء الصحيح من لجان تحقيق وغيرها؟
للأسف، هذا يعكس نهجاً معتاداً في السياسة الأمريكية تحت إدارة الرئيس الحالي، حيث يتم الإعتماد على تقارير سطحية أو ضغط من جماعات ضغط أو حتى مصالح آنية، دون تحقيقات ميدانية حقيقية. ترامب رجل لا يهتم بالحقائق أو القانون. هذه هي شخصيته. نموذج جنوب أفريقيا وما يسمى بإبادة السكان البيض هناك أو التعامل مع الرئيس الأوكراني إبان زيارته للبيت الأبيض يوضح ذلك. عمومًا كان رد وزارة الخارجية السودانية متوازنًا وسليمًا ويجب الضرب على هذا الوتر: لم تقدم أي شكوى رسمية ضد السودان ولم يثبت عليه هذه التهمة لا من الطرف الأمريكي ولا من أي طرف ثالث. هذا ما يجب أن نركز عليه.
يبدو أن إدارة ترامب استندت على تقارير صحافية، هل ترتقي هذه التقارير لكي تُبنى عليها مثل هذه العقوبات؟
لا طبعاً. التقارير الصحافية ليست بديلاً عن التحقيقات الرسمية والتقارير الأممية الموثوقة. استخدامها كأساس لعقوبات هو استخفاف بالحقائق وبالقانون الدولي، ويكشف عن تحيز في أسلوب اتخاذ القرار الأمريكي تجاه السودان. لكن السؤال هو لماذا تغيب وجهة نظرنا عن التقارير الصحفية ونسمح بنشر سرديات كاذبة عن السودان؟ الكرة في ملعبنا والتقصير تقصيرنا. أيضًا يجب بشكل أو بآخر الوصول إلى إدارة ترامب وترامب نفسه لتغيير مواقفهم من السودان. هذا أمر صعب لكنه ممكن.
هنالك إشكاليات في ملف العلاقات الخارجية؟
نعم، الإشكاليات متعددة، تتراوح بين غياب الاستراتيجية الواضحة، وعدم التنسيق المؤسسي، وتعدد مراكز القرار، وغياب التخطيط المبني على المعلومات الدقيقة. تغيير وزير الخارجية ثلاثة أو أربعة مرات منذ بدء الحرب انعكاس لهذه الحالة. رفض سفير أن يرجع للبلاد وتحوله إلى معارض سافر لسياسات البلد نموذج آخر. الوزير الجديد الذي تم تعيينه قبل أسابيع والذي لم نر منه شيئاً إيجابياً يجب أن يتغير في التشكيلة الجديدة لحكومة د. كامل إدريس. نحتاج لوزير شاب وفعال وخالي من الحمولات الأيدلوجية والقديمة، يعرف العالم ويجيد التعامل معه، ومن الأفضل أن يكون إمرأة أو مسيحيًا أو الإثنان معاً. نحتاج إلى درجة كبيرة من المرونة ولكن أيضًا القدرة على الحسم.
في رأيك ما هو العلاج الناجع لهذه الإشكاليات؟
الحل يبدأ بوضع سياسة خارجية واضحة ومتماسكة، تُدار حصريًا عبر وزارة الخارجية، مع تأسيس مركز تحليل معلوماتي قوي، ومراجعة شاملة لكل الإتفاقات السابقة، وتحديد أولويات السودان بوضوح. الأهم هو فرض الإنضباط في التصريحات والإبتعاد عن المبادرات الفردية. الكثير من الخطابات العشوائية والعنترية ومن مسؤولين كبار في الدولة أضرتنا أكثر مما أفادتنا.
ما الذي كان يمكن أن تفعله الدولة فيما يتعلق بالعلاقات مع أمريكا؟
أعتقد أنه كان يجب على الدولة السودانية أن تُعد ملفًا قانونيًا وسياسيًا قويًا يوضح الحقائق، مع العمل على بناء قنوات اتصال مباشرة مؤسسية مع الإدارة الأمريكية والكونغرس، والإستعانة بدبلوماسية ذكية تحيد الضغوط الخارجية، وتعرض رؤية السودان الحقيقية بعيداً عن الدعاية السلبية.
البعض يشير إلى أن التقارب السوداني – الإيراني ربما يزيد من الأزمة التي تتعلق بالخارجية السودانية؟
هذا صحيح. التقارب غير المدروس مع إيران، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية، سيزيد من تعقيد العلاقات مع الدول الخليجية والغرب. إيران دولة مستهدفة الآن، وهي يمكن أن تحل مشاكلها مع الغرب دون أن تلتفت للسودان. لذلك على السودان أن يتخذ موقفًا حذرًا، يحفظ مصالحه الوطنية دون الإنحياز لمحاور متصارعة.
بعد تعيين رئيس وزراء، إلى أي مدى يمكن أن ينصلح الحال؟
التغيير ممكن، لكن مرهون بوجود رؤية واضحة واستقلالية حقيقية لرئيس الوزراء، مع دعم سياسي من المؤسسات السيادية، وانفتاح على القوى الوطنية. رئيس الوزراء وحده لن ينجح إن لم يكن هناك انسجام مؤسسي ورغبة سياسية قوية في الإصلاح.
رئيس الوزراء كامل إدريس، هل يمكن أن يحدث تغيير على المستوى الخارجي؟
نعم، كامل إدريس شخصية معروفة دولياً، ولديه خبرة واسعة وعلاقات مؤثرة. وجوده قد يسهم في إعادة بناء صورة السودان خارجيًا، لكنه بحاجة إلى دعم داخلي واضح واستراتيجية محددة ليستطيع التحرك بفعالية. يحتاج أيضًا إلى وزير خارجية فعال وقوي كما أسلفت.
للرجل علاقات بالإتحاد الأوروبي وأمريكا، في تقديرك هل يمكن أن يصلح ما أفسده الأمريكان؟
إلى حد ما، نعم. ولكن ليس اصلاح ما أفسده الأمريكان وإنما إصلاح ما أفسدناه نحن. علاقات كامل إدريس قد تسهم في تليين المواقف وفتح قنوات إتصال جديدة، لكن الإصلاح الكامل يتطلب إرادة سياسية سودانية واضحة، وخطة متكاملة تعالج جذور الأزمة لا مجرد تحسين الصورة.
ما الذي يريده الغرب عموماً؟
الغرب يريد استقرار السودان، لكن على طريقته التي تضمن مصالحه: أمن البحر الأحمر وإنسياب التجارة عبره، تقليل الهجرة غير النظامية، تأمين الموارد، عدم قيام سلطة متطرفة في قلب أفريقيا، والحد من النفوذ الصيني والروسي. الغرب يريد شريكًا قويًا ولكن مرنًا، يستطيع التعامل معه في ملفات الأمن والإقتصاد. لهذا تجد تماهيهم مع الإمارات وحلفاءها المحليين، رغم معرفتهم بالجرائم التي يقترفها الطرفين.
الصراع الصيني ـ الأمريكي والسودان قبلة للدولتين؟
بالفعل، السودان صار نقطة جذب مهمة في هذا الصراع، لموقعه الجغرافي وموارده الضخمة. يجب أن نستغل هذه المنافسة لصالحنا، دون الإنحياز لطرف، بل عبر بناء شراكات متوازنة تحقق مصالحنا الوطنية. هذا الموقف يجب أن يكون معروفاً للغرب كما للشرق. سياسة المحاور لا تفيد وكذلك السياسات المتقلبة (مرة مع دول ومرة مع دول). هذا لا يبني الثقة ولا المصداقية.
أيضاً، رحب الإتحاد الأفريقي بتعيين رئيس وزراء في السودان؟
الإتحاد الأفريقي يظل شريكًا استراتيجيًا للسودان، ويجب أن نحافظ على وجودنا فيه، حتى لو اختلفنا في بعض المواقف أحياناً. هذا الترحيب مهم لأنه يضفي شرعية إقليمية على الحكومة، ويعكس رغبة الإتحاد في استقرار السودان. لكن الترحيب وحده لا يكفي، يجب أن نستثمره عبر سياسات واضحة، تجعل الإتحاد يقف بصرامة مع السودان. كما أن هناك ضرورة لتفعيل المبادرات الأفريقية لدعم إعادة الإعمار والتنمية.
إستنكار صمود لموقف الإتحاد الأفريقي؟
قحت/ صمود لن ترضى عن أي تطور إيجابي في السودان لا يعيدها إلى السلطة. يجب أن تتخلى قحت عن هذا النهج المعادي للسودان والذي لا يفهم ما هي السيادة الوطنية وما هو الأمن القومي. رئيس قحت/ صمود الحالي هو أول رئيس وزراء لإنقلاب 25 أكتوبر ورغم ذلك لم يحاسبوه. قحت رهنت نفسها للإمارات للأسف وأصبحت جزء من المشكلة وليس جزء من الحل.