كورس مجاني لتذوق الشعر الشعبي والدوبيت

لألوان كلمة
حسين خوجلي
كورس مجاني لتذوق الشعر الشعبي والدوبيت
في أحدى الأمسيات بصحيفة ألوان في تلك الأيام الخضر وكان الراحل الظريف زكريا حامد محرراً عاماً بالصحيفة وفي إستراحة محارب على الشاي بالحليب الصريح أنشدته مجموعة من مقاطع الدوبيت فقال لي ساخراً على طريقة الحلفاويين القارصة “دا يا أستاذ عربي”، فكتب في أحدى الأيام وأنا أستذكر هذه المزحة مجموعة من مقاطع الدوبيت وكانت من الغرائب وشوارد المفرادات العامية وكتب معلقاً إن الحلفاويين والأقباط غير معنيين بهذه الأبيات من الدوبيت. وبعد صدور الصحيفة زارني أحد أبناء شندي من الأخوة الأقباط وقد أدهشني بأنه راوية لا يشق له غبار في الدوبيت والشعر الشعبي والمرثيات وأشعار الحماسة فأعتذرت له قائلاً “والله الأن قد أدركت أن أقباط السودان لا يقلون فصاحة في أدبنا الشعبي من طه الضرير والحاردلو وود ضحوية” وهذا المقال نسترجع فيه تلك الأيام الحافلة بالذكريات وبعد عودة بلادنا أرجو أن يطل علينا أحد الأقباط وأحد الحلفاويين الذين تمرسوا على الواقع الودود بخشم القربة وإحتملوا سخرية الشكرية واللحويين.
كان حضروكي ناس ود أب علي وحسان
ما بدوكي لفخري أب عيونو مكان
ولا ينسى ولن ينسى عموم أهل السودان ومصر الشقيقة التضحيات الكبرى لأهل حلفا الذين ضحوا بأراضيهم ونخيلهم وحضارتهم بالخلق العالي لصالح السد العالي، وأضافوا بوجودهم في خشم القربة وسط السودان إعتدالاً ومحبة ومعرفة وواقعية (ورب طارة نافعة).
٭ عدم الاحاطة بالأمر من كل جوانبه يطلق عليه ظرفاء الشعر الشعبي والدوبيت «عدم التفكر«.
وقد فقد أحد الثقاة منهم خطيبته حيث لم يحسن التدبير فتزوجت ولأن زوجها كان يعلم سر «الريدة القديمة» فقد هاجر بها بعيداً فكتب الجريح باكياً:
عدم “التفكر” رَبَّى فينا غبينه
ووين يا صاحي رخروخاً قلدتو حنينًه
يلزمنا الفراش والناس تجي تعزينا
رحلت مننا أم روبة وخلت ديارنا حزينة
مهيرة المحفل الديما مِدْرعة ولابسة
وبيك إتنورت كرري أم حجاراً يابسة
»ياحليل القبيل حارسانا نونتو الحابسة«
علىّ الدنيا بالحيل من فراقك كابسة
ولأن الذي أرسلها لي قد ضاع منه البيت الثالث في المربع الثاني فقد تجرأت وأضفته من عندي حتى يصلني النص الصحيح:
(ياحليل القبيل حارسانا نونتو الحاسبه) مش لايقه؟!!
٭ملحوظة: إن عدم التفكر «هنا ممنوع استخدامها لأي غرض سياسي إلا بعد الرجوع لناقل الابيات وشاعرها.
ولايمل الأحباب والصحاب سماع وترديد حكاية حمدان الذي اجتمع عليه الجعليون فرع الختمية وقد عيروه بأن «الوِليد» عكير «ود البارح دا» قال في السيد عبدالرحمن ما لم يقله في الحسيب النسيب ولا في حاج محمد ابراهيم ود البيه ناظر عموم الجعليين فقال لهم متحدياً ماذا قال عكير فرددوا:
تسلم يا الزعيم التلفي ساعة العترة
يا جبل الضرا والري نهار الختره
عندك خصلة وكتين تدي ايدك تترى
زي صفق الأراك الشمّ ريحة النترة
صمت حمدان هنيهة ثم قال لهم لقد قلت في سيدي الناظر:
عيونا عداك يا الليث وين تلاقي هجود
حكمة وقوة في شخصك مداومة وجود
صهوات الكرم فوقن علوت نجود
حاتم طي دا فايتك بالزمن ما الجود
٭ وزاد عليها:
كَلِمْةَ الضلة حاشاك من نشيت صاحيلا
وسترة الحال بتبذل مال وتضْحيله
الفرسان وخيلن .. شوفتك إبْرُدْ حيله
يالفرجت ضيقاً بعد أجوادا إغلْب حيله
رحم الله حمدان وعكير فقد جملا سماوات السودان وبواديه حيث كان الراديو فاكهة الأثرياء فقط.
وللخال الشريف زين العابدين الهندي شعر فصيح وعامية فصيحة وصمت أفصح ورأى في الذين يمدحهم ويهجوهم لو أطلقه لملأ الدنيا وشغل الناس وأصبح في شغل عن السفر السَّفر ومن جميل ما أتسلي واتعزى به
وذو الشوق القديم وإن تسلى
مَشوق حين يلقى العاشقينا
ومن حسن حظنا وحظ السودان أن الشريف عاشق كبير ومرافعتي في ذلك قوله:
مر بالدامر البي ذكره عزّ وجلّ
واتنوخ فسيح وأدّي المجاذيب طلة
شوف النار متلعبه في المساجد ولاّ
مات نور الضيا وجات بعده نار الجُلة
شوف المصحف الأربع قرون بدّله
ماسك وردوا أم سحَرنه عين خلق الله
ومن شاعرية أهل الجزيرة انها إذا ذكرت «شالتهم الهاشمية» وامتزج الظاهر بالباطن وأصبح الصبح والليل مساحة واحدة من الرمادي البرّاق
حليل قلب الجزيرة المستقيد النابض
حليل جمعه رجالا وجيل شبابا الناهض
حليل جمع السراة زي الهزبر الرابض
كل واحد على وطنيته عاضي وقابض
٭ وللذين يحلمون باعتقال هذا البلد الطيب بالمؤامرة والتجرؤ على كبريائها تهتف الكلمات قبل الرصاص
نارك ما انطفت من يوم رماك الغادر
وسجنك ما فضى وأهلك عليه تدافر
وللموت كمبل الأحفاد مغني وشاعر
وكل عام ليكي عيد بالدم موشح وظافر
خلي عدوك مجهجه في عصابتو وحاير
وقيدك هسه بنكسرو ونجدلو ضفاير
٭ ومن عجائب الشعر السوداني قصيدة «العمري» الفارس ابن الفوارس الذي اتهم ظلماً في عشقه العذري حتى مرض فاشتفي المجتمع بوصفته الحري
يا الهواكم بقى لى جريمة
اقبلوني بعد العذر
ليلى مــا بتشفيني العَـــزيمة
إن جُـننتَ وخـــاني النّصُرْ
مـا بتعرف الخـوف والهزيمة
روحــي لـــو تتدلل عَـصُرْ
يا حليل أيامي القديمة
بين سنا اللذات در وغُر
إلا فقدت وأضحت عديمة
دنيا خاينة وطيبك يعر
كنت رايق وناصب لي خيمة
منشرح مبسوط يا بدر
ماني داري العاقبة الوخيمة
بي هموما تزاحم الصدر
أسألوها الظبية الحشيمة
يوم لقانا انكشف الأمر
مــا هـتكــنا السِـر عِـف وشيمة
مـا نسينا الحلو عُـقبو مُرْ
وما إن أكملها المنشد حتى صرخ بادي «عووووووك» أما عوض بابكر فقد قال «الروب»!!!
٭ بعد سقوط دولة الاسلام وسقوط عاصمتها أمدرمان استل الحردلو شيخ العرب لسانه بعد أن ربطه طويلاً رغبة ورهبة وبانت شماتته في استشهاد جدنا الشريف أحمد ود طه وسخر من الانصار حين قال:
الجبة الحالي غطاها
وترقد رُوم بشراها
وبنكرها جميع الساها
وتضوق «ضحوة ود طه»
٭ فرد عليه الشيخ الشاعر عبد الماجد ود أب ناجمة المجاهد والفادني القبيلة:
كتير المتلك معصى
وبتطيع بي طعن الكرسي
تضوق الضاقا الهكسي
وتموت عريان ماك مكسي
٭والكرسي بفتح الكاف هي الحربة
٭ ومن جميل ما قاله على الأمين ود كريز
قلبي زادو لماع البروق الرّفن
وحرك ساكب الأشواق بعد ما جفّن
يالتيبة الدخري السحابو مدفن
عليك النوح مطوّل والدموع ما جفن
٭ وهو أستاذ علي بيتاي الشكري الذي رد عليه:
قول لى كريز مداولة السنين اللفن
لابنسني ريدو ولا اللهايب طفن
الفي حقو «قافات» النميم ما بكفن
عليهو أقدامنا من كترة رحيحن حفن
٭ وقد غفر الاشراف لشيخ العرب الحاردلو حين سمعوا أبياته يوم ترك الشعر والتحف بالتصوف ولكنه تنازل وغنى لطفلة بكت أمها وقد نذرت أنها لو انجبتها لسعت بالغالي والرخيص ليغني لها شيخ العرب، ورغم مغادرة الشعر له فقد استعاده وهو يرى بكاء الأم وبراءة الطفلة التي سمتها أمها «معتوقة» وهو اسم يمنح للتي يخاف موتها باكراً لا سيما وأنها بلا أخوة ولا أخوات
ها الأيام على زايد حسار «معتوقه»
ما خد ليلي تام غمضة نهار ما بضوقه
جلد الما انسلخ لحموا انجلب في سوقا
كرفها قالو متلو للبشمو عشوقه
لخلوخة مقامه مسايسه ومفروقه
بين التقنتين دفق البصير ما روقه
كان جلست معاك وإن سمع منطوقه
على المتشببات بالحيل بعيد معلوقه
ديفة يا الزمان جفلن على بانوقه
دفقوا «الشاي» صرف فوق عقلتو المشقوقه
أكان يالليلة في قيد الحياة ود دوقه
نماً مو متلق كان بجدعوا فوقا
أكت في جقدله وفاقه وشوية روقه
لي الدنيا ضاحكة العندي مي ممحوقه
شن معناها هسع نمتى المربوقه
كانت ليك قبيل ما بتبقي كدي مسروقه
٭ ومما يخافه الطامعون حرص أهلنا على بلادهم موحدة وحرة ومنتصرة على الأوباش والغرباء والمرتزقة ومستقلة وقد صدق محمود ود حسب الله القائل:
قاعدين في الوطن حارسين جبال الريسه
ما بنفوت ديارنا بنرجى فيهن عيسى
حال الدنيا مرة عديله ومرة تعيسه
قادر يخضِّر اليابسه ويبل السيسة